ذ.حساين المامون
عندما أحاول أن أكتب شيئا عن المرأة أو أقرأ شيئاً عنها أحس بأنني أقف خارج نفسي و أكتب أو أقرأ ، أحس أنني أكتب عن كائن لا أنتمي إليه أو لا يربطني به رابط ، و عندما يقترب الثامن من مارس ، أشعر و كأنني ربما نسيت أنني ابن امرأة وستكون رفيقة دربي امرأة وابنتي امرأة.... و هذا تذكير بأن النساء موجودات ، أحس أن العالم يمن على أمي بيوم ، ينتابني إحساس بأن المرأة مخلوق يختلف عن الإنسان جاء من كوكب آخر و حل كالكارثة على كوكب الأرض و تحت أبطه قضية فاجأ بها المجتمع الإنساني ..
و بعد قراءة بعض خطابات الرجال عن المرأة أحس و الحق أقول أنهم لا يتحدثون عن أمي ، و كأنهم يحدثونني عن مخلوق لا يعيش على الأرض ، لأنه و باختصار شديد و بدون كلمات كبيرة و خطابات رنانة : المرأة مخلوق بسيط جداً أبسط من أن يشغل الرجل باله بها إلى هذا الحد و كأنها وباء ، فهي مخلوق لا تقل في شيء عن الرجل سوى أنها امرأة و هو رجل ، أما مسألة الحقوق و الواجبات فهي مسألة نسبية من رجل إلى رجل و من إمرأة إلى إمرأة و الله منذ الأزل كفلها لها بمنحها لكن الرجل هو الذي إستحوذ عليها و عندما تطالب بها المرأة كأنها تطالب بأحد ممتلكات الرجل ، و الرجل هو الذي يعقد المسألة و يربطها بالمجتمع و السلطة و الدين ، فما من شريعة من شرائع السماء و لا قانوناً من قوانين الأرض أنصف المرأة بالشكل اللائق بها و لا حتى أعطاها حقوقها باستتناء الشريعة الاسلامية ...
لكن المجتمع الدكوري وتمجيد صفة الذكورة لدرجة فقدت معها الكثير من النساء حتى أنوثتهن ، و هذا يذكرني بقصة رجل كنا نعرفه لم يرزقه الله سوى بإبنة واحدة أسماها "أ" ، فكان يتصور نفسه عقيماً و يعلن ذلك على الملأ ، و كان يعاني من عقدة أنه لم ينجب صبي، و من شدة حبه للذكور كان هذا الرجل يقص بإستمرار شعر إبنته و لا يسمح لها بأن تطوله ، و لا حتى يسمح لها بأن تطول أظافرها ، و عندما كانت صغيرة لم يكن يشتري لها غير اللعب التي تخص الذكور ، و كان يحرمها من اللعب بالدمى ، و كان يأخذها معه دائما إلى حلاق رجالي في الحي الذي يسكنون فيه ، و كان يلبسها ملابس الذكور و يأخذها معه إلى محل بيع أدوات السيارات الذي يمتلكه ، فصارت تتصرف كالذكور و تلعب مع الذكور في الحي و لا تلعب مع الفتيات و لم يتصور أحد للحظة أنها فتاة ، و هكذا سارت الأمور بحيث حتى الذي كان يعرف الحقيقة نسى الأمر، فكبرت الصبية و كبرت معها معالم الأنوثة و لم يصدق أحد أنها فتاة ، فبدأ صبيان الحي يسخرون منه (أي منها) و يقولون أنه ذكر لكن بثدي ، و يمشي مشية الفتيات و يتمايل مثل البنات ، فأطلقوا عليه (أو عليها) مختلف الإشاعات من أنه (أي أنها) مخنث ، حتى وصل الحال بالأب أن يخبر الناس بحقيقة أمرها لكن لم يصدق أحد ، ولم يتقدم لخطبتها أحد ، و المصيبة كانوا يقولون (ما من أب سيرضى أن يزوج إبنته لمخنث مثل إبن فلان) و بعد معرفة الحقيقة قالوا (ما من رجل يرضى أن يتزوج من فتاة تتنكر في ثوب ولد) ، فضاعت الفتاة ، و ضاعت أنوثتها و صارت مثل الصندوق المليء بالأحزان ، فقد عرف الناس بالحقيقة لكن بعد فوات الأوان ، بعد أن قضت فترة صباها و مراهقتها في ثوب ذكر و بين زنزانة الذكورة ، و على دراجة خاصة بالذكور ، و ذلك إكراماً لأبيها الذي كان يتمنى ذكرا صالحاً يحمل إسمه من بعده ، لكنه أنشأ صبية غير سليمة كانت ضحية أب غير صحي التفكير، و وصل بها الحال أنها لم تتقن سوى المهن الدكورية مثل الميكانيكي و الوقوف في محل لبيع الأدوات الخاصة بالسيارات الخاص بأبيها.. هذه القصة أتذكرها كل عام عندما يستذكر العالم يوم المرأة العالمي..
فأقول في نفسي : ترى كم أنثى أخرى هي ضحية مثل هذه الأفكار و الممارسات الرجعية؟ ترى هل كان على " أ " أن تدفع طفولتها و صباها ضريبة لأنها فتاة و ليست صبية ؟
ترى هل كان على 140 فتاة عاملة في مصنع في مدينة نيويورك أن يحترقن ليلتفت العالم إلى حقوق النساء و لكي يتم تحديد يوم للنساء على إثر مأساة كهذه ؟؟ و هل كان على روسيا و بعد كل الخسائر التي لحقت بها في الحرب و التي زادت على مليوني جندي أضحو وقوداً للحرب و أن تنهض على إثر تلك المصيبة المرأة و تطالب بإنهاء المأساة فيكلف ذلك قيصر روسيا عرشه ، فيتم خلعه لكي تنال المرأة حقوقها؟؟ ترى كم من الحكام في المجتمعات العربية يجب أن يضحي بكورسي الحكم و أن يتم خلعه حتى تنال المرأة حقوقها ؟؟ ترى كم إمرأة يجب أن تحترق حتى تلتفت السلطات السياسية في المجتمعات العربية إلى حقوق النساء و يعترفوا بها؟؟ لماذا لا تعطى الحقوق في أجواء سلمية ؟؟ لماذا لا تعطى الحقوق عن طيب خاطر؟؟ لماذا يجب أن نقود المظاهرات كل مرة نطالب فيها بحق من حقوقنا الشرعية؟؟
الرجال في الشرق بإمكانهم أن يكونوا متحررين حتى يصلوا باب منازلهم ، ما أن يصلوا أما باب الدار حتى يخفوا الشعارات الرنانة التي تدخل في خانة حقوق المرأة تحت شجرة على الرصيف ، و يعودوا يحملونها في اليوم التالي معهم ، هذا هو مرض العصر "الإزدواجية" الذي يعاني منه رجال الوطن العربي عموماً ، فهم يؤمنون بحقوق المرأة إكراماً لعيون نساء غير نساء العشيرة ، إكراماً لعيون المصلحة التي يحققونها من وراء رفع شعار من شعاراتهم تلك ، أما الزوجة فيفضلونها ساذجة "قطة عمياء" تفتقر إلى أبسط الحقوق من بينها القراءة و الكتابة حتى لا تميز بين حقوقها و واجباتها ، و حتى لا تتمكن من قراءة الكتب و أن لا تقف يوماً تطالب بأبسط حقوقها و أن لا تناقش و لا ترفض و تعارض و لا تقف موقف الضد ، حتى لا تكتشف يوماً كلمة "لا" ، و حتى لا تكتشف العالم من حولها ، وأن ترى أين وصلت نساء العالم و هي مازلت قابعة في المطبخ ، و بدل العطور تشم رائحة البصل ، و حتى لا ترى العالم إلا بعيون زوجها ، و هو الذي يترجم لها كل ما يرد من أخبار من خارج صومعة الرجل .. وهكذا…
أما كيف تم إعلان يوم 8 مارس تحديداً للاحتفال بيوم المرأة العالمي؟ فجاء ذلك إثر الإضراب الذي أعلنته المرأة الروسية عشية الحرب العالمية الأولى تحت شعار "الخبز و السلام" ، مما أدى في النهاية إلى إجبار قيصر روسيا لأن يستسلم و أن تمنح الحكومة المؤقتة المرأة حقها في التصويت ، و قد وافق ذلك اليوم التأريخي يوم فبراير من التقويم (اليوليوسي) المتبع آنذاك في روسيا ، و وافق يوم 8 مارس من التقويم (الغريغوري) المتبع في باقي أنحاء العالم ..
هكذا ناضلت المرأة طوال التأريخ و لا زالت تناضل من أجل حقوقها ، لكن الحقيقة التي مازلت أؤمن بها هي المشاركة السياسية ، فبدون المشاركة السياسية و بدون إشراك المرأة في معالجة مشاكل المجتمع الإقتصادية و السياسية و الإجتماعية فلن تتحقق العدالة التي تنشدها البشرية من الأزل لحد اليوم في بناء مجتمع حضاري قائم على المساواة بين الرجل و المرأة ، فإذا لم تتساوى المرأة بالرجل في كافة الميادين و المجالات ستظل العدالة غائبة و إذا غابت العدالة فهذا يعني أن خللاً ما يوجد في السلطة السياسية التي يحتكرها الرجل على مر التأريخ..