إعداد: حميد حفي،// متخصص في التربية الخاصة
لم تكن فئة ذوي الاحتياجات الخاصة، أو عبارة الأطفال – في وضعية إعاقة- شيئا مذكورا في اللقاءات التشاورية، التي أجرتها وزارة التربية الوطنية والتكوين المهني حول المدرسة المغربية، مع مختلف الفعاليات، ولا في ما نتج عنها من خلاصة، أو عرض وتدابير. في توقع حالم لمدرسة جديدة بدون حالات أو وضعيات إعاقة؛ وفي تجاهل لمعاهدات وقعتها المملكة المغربية في محافل دولية، في موضوع التربية للجميع، أهمها إعلان سلامنكا ( يونيو 1994 )، وفي تغافل عن نسق وطني من النصوص؛ من أهم عناصره الدعامة الرابعة عشر من الميثاق الوطني للتربية والتكوين، وما تمخض عنها من التزامات لوزارة التربية الوطنية، كالاتفاقية الرباعية ( فاتح أبريل 2006 )، وكذا المذكرات التنظيمية المتلاحقة، لنصل إلى المادة 43 من دستور 2011 الجديد. فماهي منتظراتنا لهذه الفئة في المدرسة الجديدة، مدرسة مواطن الغد؟
III- نحو مدرسة مندمجة
ننطلق من التلميذة "مريم" مثال حي؛ فهي التي عجزت عن إدراك العدد 5 كتابة وقراءة، وشهر بها أستاذ الفصل أمام زملائها وأمام العالم، مثالا لوضعية الفشل التي يتموقع فيها تلميذ مختلف .différent وجاء أستاذها الجديد وتقرب منها، وهيأ لها الولوجية النفسية والبيداغوجية فاستطاعت "مريم" تجاوز صعوبتها، وتمكنت من إدراك الأرقام كتابة وقراءة. وعلى الرغم من أن هذا المثال قد يبدو ساذجا إلا أنه يحمل دروسا وفوائد كثيرة لمن يهمه الأمر، إنه مثال صارخ للفرق بين وضعية الفشل التي كرسها الأستاذ القديم وبين وضعية النجاح التي خلقها الأستاذ الجديد. إن المثال صورة كاريكاتورية بين مدرسة اليوم ومدرسة الغد.
أمثال التلميذة "مريم"، وهي في وضعية فشل، آلاف مؤلفة، من مستوى التعليم الأولي إلى مستوى التعليم الثانوي التأهيلي، يمكن أن تنقلب وضعياتهم إلى وضعيات نجاح بتوفير الولوجية المناسبة: سيكولوجية، ومعرفية، واجتماعية، ومادية، وأداتية، وبيداغوجية..، ونتقي بذلك قسطا كبيرا من الإعتلالات التي تصيب الوسط المدرسي، كالفشل المدرسي، وما يترتب عنه من أمراض نفسية، وسلوكية، واجتماعية تهدد أمنه واستقراره.
يبذل التلميذ – في وضعية إعاقة- في مدرسة اليوم الجهد المضاعف ذهنيا وحسيا وحركيا، من أجل شيء من الحضور وإثبات الذات، بنفسية مقهورة تتحسس الفشل والإقصاء، خاصة أثناء الفروض والمراقبة المستمرة، ويزداد التوتر في الامتحانات الإشهادية لآخر السنة؛ ويطال مسار التوتر كل المحيطين بهذا التلميذ من الأسرة والأقارب. إن سيكولوجية هذا التلميذ المقهور ناتجة عن ضغط مزمن لنظام تعليمي صارم، يزج به للتكيف القسري، في مدرسة لا تمنح التقدير إلا للأقوى؛ حيث يتحتم عليه اللحاق بركب التلاميذ (الأسوياء)، ومع مرور الوقت، وحيث تغيب عمليات إعادة التأهيل، أو العدة البيداغوجية الخاصة للتعويض، التي تسمح له بالمشاركة الموثوقة في أنشطة المؤسسة؛ تخار قوة هذا التلميذ؛ فيجد نفسه مهمشا، من طرف نظام مدرسي لا يبذل أي جهد للتقرب منه.
إن الإصغاء لهذه الفئة من التلاميذ، والسعي إلى تلبية احتياجاتهم التعليمية، ليست مسألة مبدئية فقط، إنما هي أيضا مسألة حتمية يفرضها الزحف الكمي والنوعي لهذه الشريحة من التلاميذ، واكتساحها للوسط المدرسي. هذا الواقع يحتم القطع مع المنطق القديم الذي يقضي على التلميذ بأن يتكيف مع النظام التعليمي الصارم، واستبداله بمنطق جديد: إن المدرسة هي من يتعين عليها أن تتكيف مع احتياجات كل تلميذ، وأن تقوم بالتعديل المناسب لبيئتها، من أجل وظيفة الاستجابة للحاجيات التعليمية للمجموعات المتجانسة وللحالات الفردية الخاصة. نعم، من حق كل تلميذ، كيف ما كان صنف إعاقته، أو درجة الصعوبة التي يعاني منها، أن يملك مكانه بالمدرسة العادية، إذ يكفي أن نضع التكييفات المناسبة في المكان المناسب.
داخل الفصل الدراسي، تعمل مدرستنا العمومية بنظام فصل يجمع بين مجموعة متجانسة من التلاميذ متقاربة الأعمار، وأي "خروج" لتلميذ ما، ذي احتياجات تربوية خاصة، يصبح إشكالية: هذا التلميذ يصير مهمشا ومقصيا من مجموعة فصل تستمر في دروسها العادية. التحفظ السائد هو كيف نلتفت، في الآن ذاته، إلى حالات التعثر الفردية ذات الإيقاع البطيء مقابل سير الركب العام العادي للفصل؟ والجواب هو " ما الذي يمنع من أن نتصور نظاما مدرسيا أكثر مرونة؛ يسمح خلال فترات في اليوم بإعادة ترتيب المجموعات، مانحا لكل تلميذ الفرصة لكي يعمل في مجال مناسب لحاجياته وصعوباته الخاصة. بتعبير آخر، إن الأمر يتعلق بتنظيم الفصل وتفييئ تلاميذ المؤسسة بحسب طبيعة حاجيات التلاميذ وليس بحسب أعمارهم، في اتجاه أن تكون التعلمات المقدمة تلبي احتياجات كل التلاميذ بمن فيهم ذوي الصعوبات؛ وبالتالي سوف يكونون قادرين على تعلم ما هو مقدم لهم كمادة تعليمية ".
" إن المدرسة الجديدة، في طريقها إلى أن تصير مندمجة، هي مضطرة إلى أن تواجه تحولا؛ وفي حاجة إلى معركة كبرى لبناء شروطها البيداغوجية؛ تتيح إمكانية إرساء نظام مدرسي للنجاح، في مشروع لا يمكن إلا أن يكون جماعيا، يلتزم فيه الجميع، وتتوفر له الموارد ووسائل البحث ". ولنا أن ننظر إلى أعمال كل من Wolfesberger في موضوع القيم المجتمعية وإلى أعمال Serge Tomazet في موضوع التعليم للجميع.
( انتهى )