ذ: سمير هاوزان
حرب معلنة تلك التي أعلنتها القناة الثانية في وجه كل ما له ارتباط بالهوية الأصيلة لهذا البلد، فبعد أن أشهرت معاول الهدم والتخريب في وجه القيم الأخلاقية الفاضلة بعرضها للسهرات الماجنة و المسلسلات التي تدعو إلى الإباحية جهارا نهارا. ها هي القناة الثانية تكشر عن أنيابها المفترسة من جديد مستهدفة هذه المرة الهوية اللغوية للمملكة محاولة ضرب اللغة العربية في الصميم من خلال عرض سلسلة ساخرة بعنوان " الخواسر " و يا للخسارة !
و لكن لا ضير فهذا الصنيع مفهومة مقاصده التي تأتي في انسجام تام مع أجندة القناة الوطنية – التي لا تحمل من الوطنية إلا الاسم – الرامية إلى طمس معالم الهوية اللغوية في كل تمظهراتها و من تم يمكن أن نفهم هذه الحملة المسعورة على كل ما يمت للهوية بصلة، فالقائمون على القناة لا يدخرون جهدا يبذل و لا يفوتون فرصة تسنح إلا و استغلوا ذلك كله للنيل من هويتنا. فبعد عرض الحلقات الأولى من هذه السلسلة الهزيلة التي يظهر فيها لفيف من الممثلين المغمورين يتراقصون على الشاشة الصغيرة بإهاب يحيل على أزمنة غابرة ويلوكون بألسنتهم اللاحنة مواضيع عصرية حديثة قاسمها المشترك التفاهة والسفاهة صُدم الجميع و بُهت من هول هذه الجريمة النكراء في حق اللغة الرسمية للبلاد. فالمثير للاشمئزاز ليس فقط ميوعة المواضيع المتطرق إليها وإنما استباحة عرض الضاد المجلودة أصلا في إعلامنا الذي لا يمثلنا في أي شيء. فاللغة الهجينة التي يتحدث بها هؤلاء لا هي بالعربية الفصحى ولا هي بالعامية وفي هذا إهانة لهما معا. وإهانة للمغاربة أجمعين. ففي الوقت الذي أنتج فيه أهل المشرق " الكواسر" و " الجوارح" وبرنامج "خواطر" طلعت علينا القناة الثانية " بالخواسر " و كأننا لا نُحسن إلا الخسارة و لا نبدع إلا في الخسارة فيا للخسارة!
ومع أن الذوق السليم و الطبع النقي يأنف من مشاهدة مثل هذه الصفاقة و يتأفف من هذه القذارة الإعلامية الممجوجة فإن من القوم فئة من الجاحدين ممن يأبى إلا أن يسبح ضد التيار و ينصب نفسه محاميا عن هذه السخافة متسائلا عن سبب رفض هذه الترهات و يقول بأنها سلسلة هزلية فنية ناسيا او متناسيا أن الفن الحقيقي هو الذي يحمل رسالة فبالله عليكم أية رسالة تحملها هذه السلسة؟ وإن سلمنا فرضا بأن الغرض منها التفكه والترويح عن النفس فسنضحك فعلا لأن شر البلية ما يضحك. و الخوف ليس على هذه الفئة و ليس منها فقد سبقها إلى هذا الميوعة أقوام كثر من آل عيوش و من في زمرتهم ،و لكن الخوف كل الخوف على النشء الصغير الذي سيتيه تعبيره في خضم هذا الماخور اللغوي فأبناؤنا أصلا لا يجيدون التعبير بلغة عربية فصيحة و رصيدهم اللغوي ضحل و عوض أن نغني رصيدهم المعرفي وننقح تعبيرهم اللغوي نسهم بجد و نمعن في هدم الملكة التعبيرية لديهم و الانحطاط بها إلى درك الإسفاف . و لحسن الحظ أن هذا العبث اللغوي صادف أيام العطلة و إلا لكانت أوراق امتحانات المتعلمين و فروضهم حبلى بهذا القيء اللغوي. صحيح أننا ففي كل حلقة من هذه السلسلة الملتوية على عنق هويتنا قد نربح نشوة ضحك أو قهقهة لاكننا حتما سنخسر جيلا او أجيالا لن تقوى على التعبير بفصاحة فيا للخسارة!
والأدهى والأمر أن يعرض هذا العهر اللغوي دون أن يحرك فينا شيئا ولا يتحرك أي مسؤول ليوقف هذه المهزلة المعروضة من هذا البعبع الإعلامي الذي اعترف رئيس الحكومة بانه ليس ندا له ولا يقدر على مجابهته فيا للخسارة!
وحتى لا نهول الأمر أكثر مما هو مُهول اود ان أختم بكلمة أهمس في اذن هؤلاء الناعقين الذين لا يألون جهدا في السخرية من لغة الضاد وأقول: حنانيكم وهداديكم فاللغة العربية باقية خالدة لأنها لغة القرآن الكريم ومن تم فهي محفوظة بحفظه في الصدور قبل السطور إلى يوم الدين، وهي صخرة ستتكسر عليها كل أطماع الحاسدين ومكائد الكائدين ولله در الأعشى حين قال:
كَنَاطِحٍ صَخرَةً يَوْماً ليوهنها فَلَمْ يَضِرْها وَأوْهَى قَرْنَهُ الوَعِلُ