لقد بدأت بوادر تفعيل الجهوية الموسعة والتقسيم الترابي للمملكة تظهر بعض تجلياتها، حيث بادرت وزارة التربية الوطنية والتكوين المهني إلى الاعلان عن الجدولة الزمنية للعطل المدرسية، التي عرفت تغييرات على مستوى توزيع فتراتها، لتخرج من منطق الوحدة إلى منطق الاختلاف.
من الواضح أن هناك رغبة أكيدة في خلخلة واقع التعليم في المغرب، وقد تكون هذه أولى الخطوات، التي سيعقبها تنزيل برنامج إصلاحيـ يقتضي فتح أوراش محددة في إطار فقه الأولويات، إذ أن الوزارة الوصية أفادت اعتمادا على مقررها الوزاري المتعلق بتنظيم السنة الدراسية 2015-2016، على تسطير تقسيم جهوي للائحة العطل، سيشمل فقط على عطلتي الأسدوس الأول والثاني مع الاحتفاظ بعطلة منتصف السنة الدراسية موحدة بالنسبة لجميع الجهات.
يبدو أن هذا التقسيم الجهوي يسير بمنطق ثلاثة أقطاب، تتحدد ملامحه في جهة الشمال- الشرق و جهة الوسط وجهة الجنوب، حيث يشمل القطب الأول كل من الرباط- سلا- القنيطرة- طنجة تطوان- الحسيمة – الجهة الشرقية، فيما القطب الثاني يضم كل من الدار البيضاء سطات- درعة- تافيلالت- فاس- مكناس، أما القطب الثالث فيهم كل من مراكش- أسفي- بني ملال- خنيفرة- سوس ماسة- كلميم واد نون- العيون- الساقية الحمراء-الداخلة- واد الذهب.
ما يثير الانتباه هي التبريرات التي قدمت لهذا التغيير، إذ تشير إلى أن الوزارة الوصية، اتخذت هذا القرار بعد مشاورات وتنسيق مع كل من وزارة السياحة واللجنة الوطنية للوقاية من حوادث السير، قصد تشجيع السياحة الداخلية بالبلاد، فضلا عن تمكين العائلات من الاستفادة من الخدمات الفندقية والترفيهية بأثمنة محفزة، وكذا تخفيف الضغط الذي تعرفه الطرقات إبان العطل المدرسية.
ما يمكن استنتاجه من ذلك، أن الفلسفة من وراء هذا التغيير هي فلسفة سياحية ترفيهية ووقائية، وكأن أزمة التعليم في المغرب تحتاج فقط إلى تمكين التلاميذ والأسر للترفيه عن أنفسهم وقضاء أوقات في الاستجمام و السفريات في العطل، في حين أن واقع الحال يفيد بأن التلاميذ المغاربة هم دائما في عطلة حتى داخل فصولهم التي يقضون فيها سنوات عدة من دون حتى أن يتمكنوا من امتلاك مهارات القراءة والكتابة والحساب وهذا باعتراف الوزارة الوصية نفسها.
إن هذا التوجه هو بمثابة تغييب للبعد والرؤية البيداغوجية، التي تفترض من الجميع التفكير في كيفية استفادة التلميذ من العطل المدرسية، إما من خلال دعم التلاميذ المتعثرين، أو طرح النقاش الحقيقي حول المعدل السنوي للعطل المدرسية في المغرب، الذي يظل مرتفعا مقارنة مع طبيعة الأزمة التعليمية التي يرزح تحتها ، مما تتطلب كثير من العمل والجهد والتضحيات من الجميع.
من جهة أخرى، هل فعلا النسيج المجتمعي المغربي بلغ درجة من التحولات جعلت شريحة كبيرة من الأسر المغربية، تضع من أولوياتها السفر مع أطفالها للاستجمام والسياحة في الفنادق والأماكن الترفيهية، إننا لا نعتقد ذلك، حتى وإن كان الأمر على هذا المنوال، فهو لن يهم إلا شريحة محدودة من المجتمع، أما الأغلبية الساحقة من الأسر المغربية يبقى دخلها جد محدود يكفي فقط لتدبير المعيش اليومي، حتى وإن افترضنا أن هذه الأسرة لها القدرة المادية، فإنها تواجه صعوبات في ولوج الفنادق والأماكن السياحية، لأن تلك الأماكن باهظة التكلفة وتعرف تمييزا فاضحا ، حيث يتم تفضيل السياح الأجانب على المغاربة، وبالتالي فتلك التبريرات لا تعكس واقع الحال والوضعية الاجتماعية في المغرب، بل هي مجرد شعارات ترفعها وزارة السياحة زعما منها بتشجيع السياحة الداخلية، التي ربما أنها استفاقت من غيبوبتها، و قد تكون خطوة استباقية استفادة من الدرس التونسي ،حيث وجدت السياحة التونسية نفسها في مأزق حقيقي بعد العملية الإرهابية الأخيرة، وهي التي تعتمد كثيرا على السياحة الأجنبية، في حين أنها تناست وغيبت في سياستها تشجيع السياحة الداخلية التي يمكن أن تنقذ ماء وجهها في هذه الفترة الحرجة.
لن نحتاج إلى جهد وذكاء كبيرين، لندرك أن الأمر يتعلق ببساطة باستنساخ للتجربة الفرنسية بالتمام والكمال في هذا المجال، التي بدورها تراعي في تقسيمها للعطل المدرسية على ثلاثة اقطاب، ويا لها من مصادفة!، لكن الأمر ليس بالمفاجئة مادامت الأشياء من المسلمات، فالتبعية لفرنسا مازالت متجذرة أشد تجذر، حتى مشروع تقليص عدد الجهات هو أيضا يصادف تقليص فرنسا لعدد جهاتها من 22 إلى 13 جهة.
أما بخصوص مسألة تخفيف الضغط الذي تعرفه الطرقات خلال العطل المدرسية ، فليس بالمبرر المقنع، لأن الضغط ناتج عن تواضع أداء البنية التحتية الطرقية الموجودة نتيجة سوء التسيير والفوضى العارمة في أغلب المحطات الطرقية بالبلاد.
جميل جدا أن نجد الوزارة الوصية على القطاع تبذل جهودا في التنسيق مع وزارات أخرى قصد التعاون، غير أننا نتمنى أن يتم التفكير مستقبلا في الأمكنة والفضاءات التي يمكنها استيعاب المتمدرسين في أيام العطل، فواقع الحال يؤكد أن غالبية التلاميذ لا تجد سوى شوارع الأحياء والأزقة لقضاء أوقات فراغهم، بدل احتضانهم من طرف دور الشباب والأندية والمراكز الثقافية والفضاءات الترفيهية التي تبقى من نصيب أقلية من المحظوظين.
محسن زردان
كاتب وباحث