سعيد الشقروني
مع بداية الموسم الدراسي وأحيانا في منتصفه، تعتاد بعض السيارات التجارية زيارة المؤسسات التعليمية بالمجال القروي وشبه القروي، للدعاية وبيع كتب وموسوعات علمية، يقول تُجارها الزائرون إنها نسخ نادرة وثمنها المطلوب مشجع، ربما هذا ما يدفع الأستاذ إلى شراء موسوعة "إنسان القرن العشرين" بأكثر من 3300 درهم، ومجلد "إنسان العصر الحديث وفكره" ب 3300 درهم، ولكم أن تتعرفوا ثمنه الحقيقي.
هكذا يجدُ الأستاذ نفسه ضّحية بائع متجول حسن المظهر و"اللوك" على-شاكلة الحسناوات بائعات العطور ولوازم التجميل- ناهيك عن علم الآلة الذي يمتلكه والمُعَزَز باللسان المعسول، والكلام عن الفوائد التي سيجنيها رجل التعليم وهو يقتني مثل هذه السلاسل العلمية والقواميس اللغوية والمراجع التربوية، إلى درجة تتحرك معها النفس الأمارة ب"الهْمُوز" ويظن زميلنا الأستاذ -أو زميلتنا الأستاذة- أنه أمام فرصة لن تتكرر، ليفاجأ بعهدها بالثمن الحقيقي الذي يتجاوز في واقع الأمر الثمن الحقيقي للكتاب نفسه..
مكمن الخطورة يتجلى في أن بائع الكتب يُقدم نفسه مندوبا لشركة معروفة، وممثلا لمطبعة وطنيَّة ذائعة الصيت، بالإضافة إلى أن طريقة الأداء المعتمدة في "درس الحجاج والإقناع" أكثر خطرا عندما يُطالب ضحاياه بشيكٍ مُوقع، مرفق بمطبوع للاقتطاع البنكي حتى استكمال ثمن الكتب المختارة ..
الأكثر من هذا، أصبح بعض الأساتذة فريسة اقتطاعات رغم الشكايات التي رفعوها إلى وكالاتهم البنكية، بعدما اكتشفوا أن رقم هاتف المندوب خارج دائرة الاشتغال، وأن الثمن الحقيقي لكتاب اشتروه: دراهم معدودات..
مع تكرار هذه النوازل في مناطق تعليمية تعرف استقبالا لخريجين جدد مُطالبين بامتحان الكفاءة التربوية، وبالامتحان المهْني، يغدو السؤال المطروح:
من سمح لهؤلاء الباعة المتجولين بولوج فضاء المؤسسات التعليمية والاحتيال على الأساتذة ومَدِهِم بوثائق للتوقيع، و"توريطهم" في موسوعات باهظة الثمن (مثلا موسوعة قيمتها 900 درهم يبيعونها ب5000 درهم،
أو مجموعة قصص أطفال ثمن الواحدة منها 10 دراهم يبيعون المجموعة ب3000 درهم)
هل هناك بالفعل تعاقد أو "شراكة"، بصرف النظر عن المُسمى، كما يدعيها هؤلاء الزوار "المحتالين"؟ إن كانت كذلك متى تم الأمر، وأين ولماذا لا يعلمه الناس؟
من يتحمل مسؤولية دخول "نصابين" باسم المعرفة والبيداغوجيا إلى وسط المؤسسات التعليمية؟
ما موقف الشركاء الحقيقيين من هذه النازلة وعلى رأسها الشغيلة؟ أم هي حكاية من حكايات الصمت الذي لا يتبعه إلا..؟
يتحمل مسؤولو القطاع مسؤولية ما يحدث داخل المؤسسات التعليمية التي باتت عرضة لهذا النوع من "العنف الناعم" والابتزاز الذي يطال الأستاذ، في الوقت الذي تنصُّ فيه القوانين على عدم السماح لأي وافد أجنبي بولوج المؤسسة التعليمية إلا بعد الحصول على ترخيص من النيابة، مثلما تشترط إخبار السلطات المحلية بالنشاط المزمع تنظيمه أو المشاركة فيه داخل المؤسسات التعليمية.