ذ: محسن العافي
الأكيد أن الكثيرين من أصدقائنا أيام الدراسة ،اضطروا إلى ترك المدرسة للبحث عن عمل ،أو لتكوين أسرة ،هذا في صنف الذكور ،أما صديقاتنا ،فكن يتركن الدراسة من أجل الزواج، أو لعدم رغبة الآباء في ذلك ،والغالب على إجابات الآباء والتلاميذ بخصوص العزوف عن الدراسة ،أن المتخرجين من الجامعات لا يحصلون على الوظائف ،وشهادات تخرجهم لا تمكنهم من الاندماج في مهن كثيرة ومختلفة، لذلك لا فائدة من متابعة دراستهم وانتهى الأمر.
.أما بخصوص الإناث ،فهناك الكثير مما يمكن أن يقال ،منه ما هو متعلق بالهوة الشاسعة بين ما مُكِّن منه الذكر، وبين ما أتيح منه للأنثى في جوانبه الضيقة في ارتباط ذلك بالقيم والأعراف السائدة .وما نراه مما مُكنت منه الأنثى، يبقى تحديًّا لبعض الأعراف والعادات والتقاليد والقيم ،وعناقا من بعض الأسر بالحاضِرة للحداثة ،والتشبع ببعض الأفكار الجديدة وليدة علم الاجتماع وأساليب النهوض بالمجتمع الحديث .
وإذا رجعنا للعزف على أوتار الماضي ،وجدنا نصوصا كثيرة، تُعنى بالمرأة وأهمية تعليمها وتنشئتها وتربيتها ،فكيف يمكن أن يتم هذا كله ،دون أن تبدأ مشوارها الطويل من المدرسة والثانوية، ثم الجامعة ؟فالأجيال السابقة التي انتشرت الأمية في صفوف إناثها، خضعت خضوعا مجحفا للقيم والعادات والتقاليد، دون أن تجد مجتمعاتنا العربية مخرجا يندرج ضمن احترام القيم والعادات والتقاليد ،ويخدم في ذات الآن المرأة ،والتحديات التي أصبحت تفرض نفسها في ظل الصراع القائم بين القيم ومجتمع الحداثة وما بعدها ،وخصوصا العولمة التي فرضت نفسها في كل المجالات ،فاستقطبت بذلك الشاب والكهل والعجوز والمرأة والفتاة و... .
ونقول :إننا لم نحقق شيئا من هذا ولا ذاك ، فلا القيم احتُرمت ، ولا التطور كان تحصيل حاصِل ، "كل في فلك يسبحون" ما دمنا لم نضع خطة محكمة ، لبلوغ التطور، و تحقيق المأمول في الحفاظ على قيمنا وعاداتنا وتقاليدنا ، دون أن نتأخر عن الركب في مختلف المجالات .ولن نغفل ما مفاده: أن نسبة الجانحين والمنحرفين ،باتت مرتفعة في صفوف المنقطعين عن الدراسة ،ومن هم على شفا حفرة من الإنقطاع أيضا ،ويظهر هذا واضحا من خلال تغيباتهم الكثيرة ،وتصرفاتهم الغريبة،وكذا بقائهم أمام أبواب المؤسسات مدة طويلة وبدون حراك ،لا يعرفون لِمَ هُم هناك على ذات الحال كل يوم ،بدون هدف ولا غرض ...
أتساءل ويتساءل آخرون دائما :
- هل ينتظرون أصدقاءهم ؟
- هل يكرهون بعض المواد؟
- هل طرق التدريس عقيمة ؟
- هل يودون ربط علاقات مع بعض الفتيات ؟
- وما نوع هذه العلاقات ؟
- هل هي علاقات دراسة ؟
- أم هي علاقات مفرغة من محتواها، لا آثار إيجابية لها على ما ينتظر كل تلميذ من امتحانات يجب أن يجتازها بنجاح؟
هل ...؟ وهل ...؟ وهل ...؟،وهلُمّ جرا من الأسئلة التي لا نهتدي إلى إجابات لها ،لتعدد وتشابك المجالات التي يجب دعمها ،و الإشتغال على أسسها من أجل فك رموز مثل هذه الأمور المعقدة والمتشابكة ، أو أن نسكت خير لنا من أن نبحث عن حلول تتطلب منا صرف ميزانيات إضافية إلى تلك التي تحتاج إليها المؤسسات التعليمية للقيام بمهامها؟
أبواب المؤسسات أصبحت مستنقعا رَثًّا يعُج بكل أشكال العابثين والمتشردين والمُدمنين ،وأينما حل الإدمان ،حل تجار قطع غيار الإدمان ، والسؤال الذي يتبادر إلى ذهن كل عابر هو : لماذا نعجب من أمر العنف وأشكاله نحو بعض المدرسين من طرف تلاميذهم أو أولياء أمورهم ،في ظل هذه الظروف الداعية له ،والمشجعة عليه؟
وانتشار العنف بشكل كبير يعتبر مؤشرا واصفا لحال المجتمع ،واستفحال ظاهرة العزوف عن الدراسة أمر يسير بالمجتمع عكس ما يجب أن يتجه نحوه،لِما للحاجة الملحة للمجتمعات المعاصرة، الى الدارسين والمتعلمين والباحثين ،ولكننا على عكس ذلك، نجد من نحن في حاجة إليهم، ينفرون من العلم والتعلم ،فلا نجد في تعليمنا اليوم إلا آليات للبحث والتطور المعرفي ،ولكنه على العموم يفتقرإلى ما يربط التلميذ بالحياة ومتطلبات المجتمع .
فمن خلال نظرة خاطفة لما يجري عند أبواب بعض المؤسسات التعليمية ،سواء من خلال نافذة سيارتك ،أو وأنت على متن دراجتك النارية ،أو الهوائية، أو وأنت ماشٍ على قدميك تعِي جيّدا ،ما تعانيه مدارسنا ومؤسساتنا التعليمية من افتقار إلى ما يستقطب هؤلاء .
والجواب حسب رأيي ورأي الدراسات المجتمعية ،أن نخلق بديلا لهؤلاء المتواجدين هناك ،واحتوائهم ، بما يملأ فراغهم ،ويستثمر طاقاتهم ،ويوجههم الوجهة الصحيحة .
فكيف يتأتى لنا ذلك وشباب مدارسنا يحتاج لشيء آخر ينعدم في مؤسساتنا التعليمية والتكوينية ؟
وما العنف والعزوف عن الدراسة ،إلا تعبير عن التذمر والتمرد على أشكال التعليم المتجاوزة وما تحمله النصوص و المواد ، و ما لا توفره العملية التعليمية التقليدية المبتذلة التي ينفر منها كل شاب، رافضا التلقي السلبي ،ليقصد نادي الانترنيت، أو يركز على ما يجود به هاتفه من أخبار وإغراءات ، أو ما تقدمه بوابات المؤسسات من أشياء بديلة لِما وقر في نفس كل تلميذ من مكبوتات وحاجات تملأ فراغاته ،وما ينسيه تطلعاته المقهورة بشتى الطرق،و الباعثة على الكمون والسكون والتراجع ، وتَنَاسي ما يجب أن أن توفره المدرسة له ولزملائه .
وأخيرا شبابنا يستغيث – قبل تحصيله شهادات عقيمة لا قيمة لها في سوق الشغل ،ولا في زمن العولمة بتحدياته المرغمة .شبابنا لا يريد عنفا ،وإنما يريد بدائل ومخارج من مأزق العبثية والسلبية التي تطبع البرامج والمقررات،و يرفض طرق تصريف المنهاج التي راحت كقصص "ألف ليلة وليلة" بالنسبة له ، أو كبقايا خيوط عنكبوت على رفوف مكتبة قديمة - طالبا شيئا آخر تفتقد إليه مدارسنا ومؤسساتنا، فهل نستجيب لهذه البدائل المشروعة ذات يوم ؟ أليس هذا كله من أبجديات التدابير ذات الأولوية ؟.