عبد الحليم صابر
يعرف حقل التربية والتكوين اليوم دينامية إصلاحية تشمل كل مكونات المنظومة التربوية وتمس مجالي النظرية والممارسة الإجرائية. وتتأسس هذه الدينامية على مقاربة شمولية تجعل من الإصلاحات التربوية الجارية جزءا من برنامج إصلاحي وطني أشمل يروم تحقيق إقلاع تنموي عام يستهدف كل الميادين سياسيا واجتماعيا واقتصاديا وثقافيا... وذلك وفق اختيارات استراتيجية كبرى تعبر عن متطلبات مرحلة هامة من تاريخ المغرب المعاصر، هي بكل المقاييس مرحلة مفصلية انتقالية واعدة.
هذا التوجه الإصلاحي يجد صداه في الرؤية الاستراتيجية لكل من وزارة التربية الوطنية والتكوين المهني 2015-2030، من خلال التدابير ذات الأولوية الهادفة لإصلاح منظومة التربية والتكوين التي تدعو إلى إدراج مجال الأنشطة الموازية في صلب الحياة المدرسية، وهو توجه يصب ـ بالتأكيد ـ في صالح المشروعية التربوية للنشاط التعاوني، ويبين أهميته القصوى وفعاليته في تيسير العملية التعليمية-التعلمية، وأيضا، المشاريع المتضمنة في مختلف المجالات المتعلقة بالتربية والتكوين التي نصت عليها تقارير المجلس الأعلى للتربية والتكوين.
وباعتبار مجال التعاون المدرسي يمثل مكونا أساسا في عملية التأطير التربوي للمتعلم من خلال مساهمته المهمة في بث روح التعاون والتضامن والتسامح وقيم المواطنة لدى المتعلمين، والمساهمة في تحسين جودة الحياة المدرسية وتفعيل مختلف مجالاتها، وجعل المتعاونين الصغار محور العمل التعاوني من خلال تمكينهم من بلورة وتدبير مشاريع التعاونيات المدرسية على المستويين المادي والتربوي، وصقل مواهبهم وتوسيع آفاق معلوماتهم ومداركهم وجعلهم يحبون مدرستهم ويتعلقون بها، وتوطيد روابط التنسيق والتعاون بين الأسرة والمدرسة ومؤسسات المجتمع المدني، والمساهمة في توفير وصيانة الأدوات التربوية والتعليمة، والمشاركة ماديا ومعنويا في إقامة حفلات مدرسية ومهرجانات تربوية ورحلات استطلاعية ولقاءات محلية وجهوية ووطنية ودولية، وتشجيع المبادرات والإنتاجات الثقافية والعلمية والفنية... فإن استجابته لمتطلبات الراهن المدرسي، وانخراطه في الدينامية الإصلاحية المشار إليها، يعتبران مطلبا ملحا يقتضى تفعيله مراجعة شاملة للنشاط التعاوني على مستوى مضامينه وأشكاله، خاصة إذا علمنا أن التوجهات التربوية والبيداغوجية الحالية تقوي من مشروعية هذا المجال، وتقر بجدواه للمساهمة في تحقيق الأهداف المنشودة.
ولهذه الاعتبارات الوجيهة، نظم المكتب الوطني لجمعية تنمية التعاون المدرسي بتنسيق مع الفرع الإقليمي للجمعية بمراكش لقاء وطنيا للكاتبات والكتاب العامين، طيلة يومي 27 و28 ماي 2016، بدار المدرس، بمراكش، وبحضور أكثر من 50 كاتبة وكاتب عام ممثلين للمديريات الإقليمية على الصعيد الوطني. حيث تم تنظيم عدة ورشات موضوعاتية:
v ورشة همت مجال القانون لمناقشة المرجعيات التشريعية والقانونية والتنظيمة الحالية المؤطرة لمختلف المهام المتعلقة بعمل جمعية تنمية التعاون المدرسي، وتقاسم وجهات النظر وتقديم التعديلات المقترحة من طرف الفروع الحاضرة في اللقاء في شأن مشروع القانون الأساسي ومشروع قانون اللجنتين والنظام الداخلي للجمعية لأخذها بعين الاعتبار من طرف المكتب الوطني في صياغة مشاريع هذه القوانين للمصادقة عليها في اللقاء الوطني لأطر الجمعية المرتقب، والرامي لوضع إطار قانوني تنظيمي محكم وفق آخر المستجدات؛
v ورشة تحيين الدليل الإداري الهادف لتوحيد مساطر العمل ومنهجية الاشتغال، تبسيطا للإجراءات، ورفعا من المردودية والنجاعة. وقد تمخضت أشغال هذه الورشة عن تحيين وتعديل كافة الوثائق الإدارية المتعلقة بإنجاز الأنشطة التربوية والاجتماعية والثقافية والفنية والترفيهية المتنوعة التي تدخل في صميم الحياة المدرسية (ملف الرحلات والخرجات الدراسية - محضر الجمع العام - محضر تأسيس أو تجديد التعاونية المدرسية ...)؛
v ورشة تحيين الدليل المالي المراد من خلاله وضع حكامة مالية خاضعة للنصوص المؤطرة لها والمجودة للعمليات المرتبطة بها. وقد نتج عن هذه الورشة تحيين (حسابات التعاونية المدرسية - مشروع صرف مداخيل التعاونية المدرسية - الوثائق المالية للتعاونية والفرع الإقليمي...).
هذا اللقاء كان منسابة سانحة لتطوير مجال التعاون المدرسي وتفعيل أدواره الجديدة وذلك من خلال التقاطع الموجود بين أهداف التعلم وأهداف الأنشطة التعاونية التي تساهم في بناء فكر تربوي إنساني متميز. وهذا لا يمكن أن يتحقق إلا بتطوير الحياة المدرسية وبلورة مهامها، وتوفير المناخ المناسب لبلوغ غاياتها المنشودة من خلال تثمين دور جمعية تنمية التعاون المدرسي ومن خلفها العمل التعاوني.