حاوره سعيد الشقروني
هو حوار في الشعر، وفي وظائفه الممكنة في الحياة والمدرسة..هو حوار مع شاعر خبر أهوال المغامرة في جُب القصائد وأنواء القوافي، متشردًا بأناقة هنا وهناك في فلوات المعنى، منتشيا بالبوح والفضح، صَاحَبَ شعراء من روافد مختلفة، انتشى بالكلمة العميقة والسائلة، منقبًا، جوالاً، مندهشًا، منفجرًا، هادئًا، صاخبًا، رافضا النفاق الثقافي، ومستسلمًا لأوامر أبولو وهو يدعو إلى الشعر والمحبة والإنصات والجمال.
نحاور اليوم الأستاذ محمد جعفر من مواليد قصر زاوية الحجوي ببوعنان بإقليم فجيج، حاصل على الإجازة في اللسانيات العربية بمكناس، دََرَسَ اللغة العربية سنوات عدة، ويشتغل حاليا حارسا عاما بالأقسام التحضيرية الخاصة ابن غازي.
أصدر الشاعر محمد جعفر ديوانين شعريين: "في هفوة الليل أول أسفاري"(2011) و"ابتهالات في مقام التيه" (2017)، شارك في العديد من الملتقيات الثقافية والشعرية الوطنية، وحاز على العديد من الجوائز الوطنية.
الأستاذ محمد جعفر..مرحبا بكم، وشكرا لقبولكم إجراء هذا الحوار الذي نستهدف من خلاله تقريب الشعر والشاعر من محبيه..ومن المدرسة..ومن نساء ورجال التعليم..ومن الباحثين عن أخبار الشعر والشعراء.. ونحن نستحضر معا التعريفات العديدة لمفهوم الشعر، أبدأ بالسؤال التالي: ما هو الشعر في رأيكم؟
جواب: بدءا، أشكر لك حسن الاهتمام بقضايا الشعر والشعراء.. لعلك على علم بالتعريفات التي أعطيت للشعر سواء من طرف القدماء أو المحدثين، انطلاقا من كون الشعر :"كلاما موزونا مقفى دالا على معنى" ومرورا بمن يعتبره "موسيقى تعتمد على إيقاع داخلي وخارجي، وصولا إلى من يعتبره "شكلا من أشكال التعبير الأدبي عند الإنسان باستخدام لغة تعتمد على الجمالية والانزياح ".
كل هذه التعريفات هي تعريفات متكاملة دالة على التطور الذي تعرفه حياة الإنسان وتعاطيه مع ظواهر الأدب والعلوم أيضا، إذ لا شيء ثابت.
أما بالنسبة إلي، فإنني أعتبر الشعر تعبيرا إنسانيا راقيا تتمثل ضرورته في الرغبة الأكيدة للإنسان لزرع أزهار الجمال في حياته، طبعا مع الاعتماد على ما هو ثابت في القواعد التي أسس لها الأدباء الكبار.
سؤال: كيف هو الدرس الشعري في التعليم الثانوي الإعدادي؟
جواب: إذا ما قارنا البرامج الدراسية السابقة، وأقصد هنا الفترة ما بين 1980 و1990 وما قبلها فيمكن أن أجزم بأن التغييرات الطارئة على المقررات الدراسية أهملت بشكل مخيف الدرس الشعري، إذ أصبح التلميذ لا يميز بين أصناف الشعر وقواعده، وهذا ما لم يكن في المقررات السابقة..ثم إن النصوص المقررة تهمل القصيدة الأصيلة القديمة وهذا ما نتج عنه جهل تلاميذنا بأسماء الشعراء الذين كنا نستمتع بشعرهم في مراحل دراستنا الإعدادية والثانوية، واسمح لي هنا أن أطرح سؤالا :هل يعرف أبناؤنا الآن في مراحلهم الإعدادية وحتى الثانوية عمرو بن كلثوم، أو حسان بن ثابت أو المهلهل أو الشنفرى أو المتنبي أو شعراء الهجاء الكبار الفرزدق وجرير والأخطل ...وهلم جرا...
سؤال: على ما يبدو نعيش عصرا ماديا بامتياز، كل وسائط التواصل الموجودة تعلي من شأن كل ما هو مادي..أتساءل معكم..هل التلميذ اليوم في حاجة إلى الشعر؟
جواب: الحاجة إلى الشعر تمليها بإلحاح الحالة التي وصلت إليها مستويات أبنائنا في اللغة العربية، معناه أن الشعر كان مصدرا جيدا للتلميذ يمتح منه ما يشاء لغة وتعبيرا ونحوا وصرفا وقوة لفظ إلخ ...ثم إن للشعر تأثيرا جميلا جدا على السلوك فهو ينشر في النفس مبادئ التسامح والجمال.
سؤال: كيف نجعل من درس الشعر درسا بانيا للتلميذ؟
جواب: يحسن بنا أن نفكر أولا في تحبيب الشعر للتلميذ بعيدا عن التعقيد، من خلال تقريب الرؤية التي يهدف إليها الشاعر وتبسيطها ليستطيع التلميذ الوقوف على نقاط الجمال فيها فيتمثل ذلك في سلوكه اليومي داخل المدرسة وخارجها.
سؤال: أين تظهر براعة وكفاءة الأستاذ في إنجاح درس الشعر في الفصل؟
جواب: على الأستاذ أن يكون واعيا بأن تلميذ اليوم ليس هو تلميذ السبعينيات أو الثمانينيات، فالتكنولوجيا دخلت حياته بشكل رهيب، لذلك فالمطلوب هو استخدام هذه التكنولوجيا في درس الشعر، ثم تبسيط التعاطي مع القصيدة ليستطيع تلميذ اليوم الإحاطة بها حفظا وفهما.
سؤال: كيف نجعل التلميذ يحب الشعر؟
جواب: علينا أن ننتقي النصوص الشعرية التي تحرك مشاعر التلميذ فتحفزه على الغور في أعماق اللغة ومفاهيمها، علينا أن نختار له قصائد يحب ترديدها كالأناشيد والأغنيات، وأن نبعد عنه تلك القصائد الضاربة في الغموض.
سؤال: كيف نجعل التلميذ في محبا للشعر وكتابته؟
جواب: إذا استطعنا أن نقرب التلميذ من الشعر بما سبق ذكره، آنذاك يمكن القول بإمكانية جعل التلميذ يميل إلى الإبداع وجعله يحاول كتابة أو "نظم" الشعر بالاعتماد على ما استطاع تجميعه من المصطلحات والألفاظ، ولعل أهم مرحلة تنفجر فيها طاقات التلميذ الإبداعية هي مرحلة الإعدادي والثانوي.
سؤال: ما النصوص التي تنصحون التلميذ بالإطلاع عليها؟
جواب: النصوص الشعرية القديمة ركيزة أساسية في التعلم، لهذا السبب يجب الاعتماد عليها لأن لغتها لغة قوية ومتينة، بعدها يمكن للتلميذ أن يوسع من دائرة النصوص بقراءة الحديث منها أيضا.
سؤال: كيف تنظرون إلى دور الأندية المدرسية في تقوية علاقة التلميذ بالشعر؟
جواب: الأنشطة الموازية بالمدارس تلعب دورا مهما في إخراج التلميذ من دائرة الرتابة التي تفرضها عليه الدروس المقررة، فما بالك بالأندية (مسرح، رياضة، شعر وسرد...). بالنسبة لأندية الإبداع في الشعر أو السرد فإنها تجعل التلميذ ينخرط بسلاسة في عملية الإبداع، مما ينعكس على أسلوبه في الكتابة فتنعدم مسافة التباعد بين التلميذ والشعر وتبدأ علاقة أخرى بينهما.
سؤال: الأستاذ والشاعر محمد جعفر، باسم تربويات أجدد شكري على تفاعلكم الجدي مع أسئلتنا..أعرف أن لديكم الكثير من الكلام والمعاني، لكن حسبنا أننا حرضنا على إعادة طرح سؤال العلاقة بين الشعر والمدرسة والمتعلم..خالص شكري وامتناني..
جواب: العفو أستاذ سعيد، بدوري أشكركم على الموضوع، مثلما أشكركم على مواكبتكم للشأن التربوي والثقافي.
جواب: العفو أستاذ جعفر