تحية تقدير واحترام لمن أحيلوا على التقاعد ولمن سبقونا من زملاؤنا الأفاضل في ممارسة هذه المهنة.
تحية إكبار وإجلال لهذا الرعيل الأول على ما تركه لنا من ارث ضخم ترزح تحته كواهلنا الفتية بفعل تضحياتهم الجسام.
انتم خير سلف لهذا الخلف بفضل زهدكم وورعكم. مررتم بالإدارة مرور الكرام. لم تحدثوا ضجيجا ولم تطلبوا رئيسا وقنعتم بالقليل ولو كان زهيدا وعملتم في أسوا الأحوال دهرا مديدا.
انتفع غيركم بعلمكم وترقى في مدارج السالكين بين منازلكم وعلى ظهوركم وبقيتم في الظل صامتين مبتسمين كنساك زاهدين.
كم هو مدهش تواضعكم؟
تمشون على الأرض هونا وإذا خاطبكم الجاهلون قلتم سلاما، تبيتون ليلكم ساهرين مترقبين بشغف ولهف بزوغ النهار لترتلوا من جديد أوراد الصباح والمساء كعادتكم.
بارك الله فيكم. تركتم لنا الكفاف والعفاف والغنى عن الناس.
انتم متصوفة هذا الزمان. لا يشق لكم غبار في علم السلوك. في عمل اليوم والليلة. في التحلية والتخلية. في مقامات الفناء كالصبر والزهد والورع والصمت وتحمل الأذى وعبودية اللسان والجوارح وفرار الخلق إلى الحق ومنزلة الخوف وتفويض الحال ودرجة التسليم والرضا بالقضاء والقدر.
لله ذركم من جيل عظيم خط اسمه بمداد من ذهب على الرمال فترك لنا ذكريات جميلة لا تمحى.
لا تقلقوا. سندعو لكم دائما في صلواتنا على ما أسديتموه لنا. لن ننساكم لأننا نرى أثاركم كل يوم كمنحوتات أو مستحثات جيولوجية موغلة في القدم.
أفضالكم علينا لا تعد ولا تحصى. وأعناقنا مقيدة إلى نعمائكم بالجميل والإحسان.
يبادلنا الكل نظرات الحب والاحترام. أخبارنا في كل مكان وعلى كل لسان والينا يشار بكل بنان. صباحا ومساء. ليلا ونهارا. قبل وبعد الطعام كعقاقير طبية أو مسكنات صيدلية.
رؤساءنا ومن شغف المحبة لا يطيقون فراقنا ولا يصبرون عنا. عن كل شاردة وواردة يستفسرون عنا. بمواعظكم وحكمكم أيها الشيوخ الأجلاء يشنفون أسماعنا. وكعربون الوفاء لطريقتكم الصوفية يخففون عنا في كل مرة زاد السفر ويمنون رجاءنا بقوت القلوب في معاملة المحبوب ووصف طريق المريد إلى مقام التوحيد.
ألف شكر لكم أيها السادة الكرام على قواعد السلوك الثمينة التي ما زالت تصارع الزمن :
- إذا رأيت الشر يتركك فاتركه.
- دعها حتى تقع.
- لا نطلب شيئا لكي لا يطلبوا منا أي شيء.
- نتركهم لشانهم ليتركونا وشاننا.
- لا نحاسبهم ولا يحاسبوننا.
- ″ دير الماء فين ادوز اخليهم اهضرو″
للأسف الشديد، استبد بنا الشر من كل مكان ووقع ما لم يكن في الحسبان وأصبحوا يطلبون ويطالبون بكل شيء ولا يعطون أي شيء بلا استحياء. لا يتركوننا لشاننا. يحاسبون بلا انقطاع ويحسبون بلا رقيب ولا حسيب.
وأصبح من يزاول هذه المهنة كمن يبحر في الظلمات أو يسبح في مستنقع آسن مليء بالحيات والأفاعي.
شكرا جزيلا وتقاعد مريح.
ملاحظة واستدراك :
- من لم يجد نفسه معنيا بهذا الوصف فله حقيقة كامل التقدير والاحترام.
محمد ازرور
مستشار في التوجيه التربوي