لاحديث الآن في الأوساط الادارية والتربوية المهتمة بالشأن التربوي سوى عن تقرير المجلس الأعلى للتعليم الذي شخص الوضع التعليمي بمختلف مكوناته وتجلياته حيث وضع أصبعه على مكمن الداء ووصف الدواء.
اذ أشار نفس التقرير الى أن الإشكالات، التي تعاني منها المدرسة المغربية على مستوى القيم، أدت إلى تراجع مساهمتها في الرفع من أدائها التربوي، والقيمي. واعتبر أن تنامي مظاهر السلوك، المنافي لمنظومة القيم المدرسية، والمتمثلة في مختلف الممارسات اللاتربوبة المتفشية فيها، كان نتيجة ضعف الانسجام بين مكونات المناهج التربوية، وعدم وضوح منظومة القيم المدرسية، ووجود هوة كبيرة بين الخطاب النظري، المعبر عنه في الوثائق المرجعية حول القيم، والحقوق، والواجبات، وبين الممارسة الفعلية لها .
ومن هنا لابد من التفكير في السبل المثلى لزرع مجموعة من القيم من ضمنها:السلوك المدني والأخلاقي ،والتشبع بروح المواطنة للمساهمة في بناء مجتمع مدرسي خال من بعض الآفات والعلل كظاهرة العنف المدرسي والاعتداءات المتكررة على ممتلكات المؤسسات التعليمية وتعريضها للسرقة والتخريب ،وكذا التصدي لظاهرة الغش في الفروض المدرسية والامتحانات الاشهادية ،وهذا أمر يستدعي تظافر الجهود على شتى المستويات ،منها ما يتم إرساؤه داخل المؤسسة التعليمية ومنها ماينبغي ضمان امتداد ه على صعيد الأسرة ثم الشارع ومختلف المرافق العمومية ،ومنها ما ينبغي ترسيخه في المجتمع برمته فالخطابات السياسية ولا الدينية ولا التربوية ولا الأيديولوجية أو الفلسفية لن تستقيم الا بارساء منظومة القيم داخل المجتع المدرسي باعتباره المشتل التربوي الذي تكتسب في مجموعة من الممارسات التربوية الايجابية وتزرع فيه مجموعة من القيم والسلوكات التي تساهم في تكوين شخصية متوازنة قادرة على التمييز بين كل ما هو ايجابي أو سلبي ، شخصية مواطنة واعية بما لها من حقوق وما عليها من واجبات ، شخصية مساهمة ومبادرة إلى الانخراط في مختلف أوراش الاصلاح التي تستهدف قطاع التربية والتكوين ، شخصية مقدرة للمسؤولية ومتسمة بروح الجدية والاقبال على التعلم ، شخصية تنبذ مختلف مظاهر العنف المدرسي والمجتمعي، شخصية تكره الغش والتحايل ،شخصية تتسم بالاعتماد على النفس ،شخصية تقدر الآخر وتؤمن بمبدأ الاختلاف في اللون والدين والعرق ، شخصية متشبعة بقيم التسامح والتعايش ،شخصية متشبعة بمجموعة من القيم الدينية وفق المذهب المالكي والمنهاج الدراسي الخاص بمكون مادة التربية الاسلامية ،شخصية مفعمة بالقيم الوطنية ،شخصية مبادرة الى العمل الجماعي والتعاوني ،شخصية مؤمنة بالاشراك والتشارك في العمل التعاوني والاجتماعي والثقافي والفني عبر الأنشطة الموازية التي تمارس داخل المدرسة أو خارجها.
وحتى تتمكن المدرسة من القيام بهذا الدور في ارساء منظومة القيم في الوسط المدرسي فينبغي توافر الشروط التالية:
1- إعادة النظر في البرامج والمناهج الدراسية بمختلف الأسلاك التعليمية ،واشراك جميع الفاعلين التربويين (أساتذة /مفتشين تربويين /باحثين تربويين/ خبراء في مجال التربية/أدباء ونقاد...) في هذه العملية التي تكتسي صعوبة تستدعي مجموعة من الموارد المادية والبشرية إضافة إلى عامل المدة الزمنية التي ستستغرقها هذه العملية.
2- تضمين البرنامج الدراسي مواد أو حصص الأنشطة الموازية كحصص قارة تزاول مرتين في الأسبوع على الأقل .
3- تكوين أساتذة أو منشطين للقيام بمهام التنشيط التربوي والثقافي والاجتماعي داخل المؤسسات التعليمية خلال العطلة الأسبوعية أو العطل البينية في المجالات التالية: (الرحلات والخرجات الدراسية/المسرح المدرسي والجامعي/ البستنة المدرسية والأنشطة البيئية/ الموسيقى والفنون التشكيلية...).
4- إعادة النظر في استعمال الزمن المدرسي وجعله يخدم العملية التعليمية التعلمية مع استحضار المصلحة الفضلى للمتعلم من حيث تكافؤ الفرص من الاستفادة من زمن التعلم مراعاة لمبدإ الانصاف بين تلاميذ الوسط الحضري ونظرائهم بالوسط القروي.
5- ضرورة التفكير في طرق أو سبل لتحفيز الأساتذة للانخراط التلقائي والإيجابي في مختلف جوانب تنشيط الحياة المدرسية .
6- تخصيص شطر من ميزانية مشروع المؤسسة لتمويل بعض الأنشطة الموازية .
7- تخصيص ميزانية أو موارد مادية لتمويل أنشطة مختلف الأندية التربوية بالمؤسسات التعليمية.
8- خلق فضاءات للعب والترفيه بمؤسسات التربية والتكوين حسب الامكانيات المتوفرة والمتاحة (ملاعب رياضية/ مساحات خضراء/ بستان مدرسي/ مسبح مدرسي إذا كان ذلك ممكنا/قاعة للمسرح والأنشطة الفنية والثقافية....)
9- ضرورة انفتاح المؤسسة على الشركاء لتأهيل مجموعة من الفضاءات لاحتضان الأنشطة الثقافية والفنية والرياضية.
10- العناية بجمالية المؤسسات التعليمية من حيث الصيانة والتزيين وتوفير الحراسة الليلية بانتظام.
11- إحداث مراكز للانصات داخل المؤسسات التعليمية والاستعانة بخدمات المساعدات الاجتماعيات والاخصائيين النفسيين وأطر التوجيه المدرسي حسب ما هو متوفر أو متاح.
أظن أنه بهذه الاجراءات وغيرها من الاقتراحات يمكن أن نتحدث عن مدرسة مفعمة بالحياة ، مدرسة متشبعة بالقيم ،مدرسة منفتحة على المجتمع ،مدرسة مواطنة ،مدرسة متميزة من حيث النتائج الدراسية،أو بمعنى أدق مدرسة مغربية يحلم بها كل مواطن ويتمنى أن يدرس فيها أبناؤه.
ولعل هذا الحلم يمكن أن يتحقق لو حاولت الوزارة اشراك الفاعلين التربويين في أوراش الاصلاح عبر مختلف مستوياتها منذ مرحلة التشخيص إلى مرحلة التحليل والتدقيق ثم مرحلة صياغة استراتيجية الاصلاح وأخيرا مرحلة التنزيل على المستوى الميداني ومرحلة التتبع والتقويم .
فعندما نقف على خلل يعوق التنزيل الأمثل لهذه الاستراتيجية لانفكر في كوننا لم نشرك بما فيه الكفاية مجموعة من الفاعلين التربويين لهم رأهم ومنظورهم الخاص في هذه الاستراتيجية، نظرا لما راكموه من تجارب من خلال مواكبتهم لجميع مراحل الاصلاح التي عرفها قطاع التعليم ،لكن وللأسف الشديد لم يشركوا بما فيه الكفاية أو لم تتح لهم الفرصة لإبداء رأيهم والإدلاء باقتراحاتهم ، سواء في مرحلة المشاورات أو في مرحلة الإعداد والتخطيط لاستراتيجية الاصلاح لا من طرف الوزارة الوصية ولا من طرف المجلس الأعلى للتعليم،فالمغرب ولله الحمد يزخر بكفاءات وطاقات تربوية ينبغي التفكير في اشراكها في هذا الورش الوطني الكبير الذي يستدعي منا جميعا كل من موقعه المساهمة في إنجاحه.
الأستاذ:عبد السلام وطاش