اسماعيل الحلوتي
في عرض لها أمام البرلمان في جلسة عمومية مشتركة بين غرفتيه الأولى والثانية التي انعقدت يوم الثلاثاء 2 ماي 2023 قالت زينب العدوي رئيسة المجلس الأعلى للحسابات، بأن ظاهرة التغيب في قطاع التربية والتعليم، تعد من العوامل الأساسية التي تؤثر سلبا وبشكل مباشر على الزمن المدرسي للتلاميذ. وزادت موضحة أكثر بأنه سبق لمجلسها أن نبه بصفة متواترة لهذه الظاهرة في تقاريره السنوية لسنوات 2009 و2017 و2019 ضمن المهمات الرقابية المتعلقة ببعض الأكاديميات الجهوية للتربية والتكوين، وكذا بالنسبة لتقريري السنتين 2019 و2020 ضمن مهمة التمدرس بالوسط القروي.
وأبت رئيسة المجلس الأعلى للحسابات إلا أن تكشف أمام نواب الأمة عما تم تسجيله من ارتفاع مهم في عدد الغيابات غير المبررة، التي عرفت في غضون أربع سنوات تزايدا مطردا بنسبة إجمالية ناهزت 77 في المائة ما بين السنتين الدراسيتين 2016 /2017 و2020/2021، مشيرة إلى أن ما يزيد من حدة التأثير السلبي للغياب، هو اعتماد الوزارة على نظام متجاوز للتقييم في ترقية الأساتذة، يرتكز أساسا على الأقدمية دون تقييم حقيقي للمردودية وفي غياب منظومة لتقييم الموظفين تقوم على النتائج الفعلية.
ولم تتوقف السيدة العدوي عند هذا الحد، بل أضافت بأن المعايير المعتمدة في بطاقة تنقيط الموظف، حول المردودية والانضباط والبحث والتجديد، تبقى غير واضحة بالشكل الكافي وصعبة التطبيق في غياب نظام يسمح بالتتبع الفردي لكل موظف على حدة. مبرزة أن الاستفادة من الترقية في الدرجة كثيرا ما تتم دون الأخذ بعين الاعتبار لمعايير الكفاءة والاستحقاق، ودون العودة أيضا لملف الشخص المترشح للترقية، للتأكد من وضعيته الإدارية في الجوانب المرتبطة بالانضباط في العمل أو الغيابات غير المبررة، وينضاف إلى ذلك أيضا ضعف التأطير البيداغوجي في ظل النقص الحاصل في عدد أطر المراقبة التربوية.
فما من شك في أن رئيسة المجلس الأعلى للحسابات محقة فيما كشفت عنه من أرقام إن على مستوى ظاهرة التغيبات في أوساط الأساتذة بمختلف الأسلاك التعليمية أو على مستوى المعايير المعتمدة في الترقي. غير أنها لم تأت بأي جديد مادامت هناك دراسات وتقارير وطنية ودولية بما فيها تقارير مجلسها نبهت إلى ذلك في مناسبات عديدة في السنوات الماضية، حيث أجمع الكثير منها على أن تخلفات الأساتذة وغياباتهم المتكررة، تعد من بين أبرز العوامل التي تؤدي إلى تقليص عدد ساعات التعلم والانعكاس سلبا على الغلاف الزمني المدرسي، مما يساهم في تعثر المتعلمين والحيلولة دون تقدمهم الدراسي وتطوير معارفهم وحسن استثمار مكتسباتهم.
إذ سبق لذات المجلس أن رصد عبر تقريره السنوي لسنة 2019/2020 مجموعة من المعيقات التي تعترض السير الطبيعي للدراسة في الوسط القروي وتؤثر بالسلب على مستوى التمدرس لدى المتعلمين، وهي تلك المرتبطة بالجانب البيداغوجي والبنية التحتية والدعم الاجتماعي، وفي مقدمتها تغيبات الأساتذة، ضعف التأطير التربوي وغيره، مما ينعكس على جاذبية المؤسسات التعليمية وجودة خدماتها. وشدد المجلس نفسه على ضرورة إيلاء الأمر ما يستحقه من بالغ الأهمية، من خلال مضاعفة الجهود بالتعاون مع القطاع الوزاري المكلف بالمالية والجماعات الترابية والفاعلين العموميين المعنيين (السلطات الحلية، المكتب الوطني للكهرباء والماء...) وتقوية الدعم الاجتماعي لفائدة المتمدرسين، بما يضمن توفير اللوجستيك اللازم بغية تحسين ظروف الإقامة في الداخليات وتعميم المطاعم المدرسية وتوسيع دائرة النقل المدرسي والارتقاء بمستوى التمدرس.
فإلى جانب المعطيات التي أظهرتها إحدى الدراسات الحديثة حول "ساعات عمل الأساتذة وعلاقة المواظبة وتأثيراتها على الزمن التدريس"، معتبرة أن تغيبات الأساتذة من بين المعوقات الرئيسية التي تؤدي إلى تدني مستوى التحصيل لدى التلاميذ، مؤكدة في هذا الصدد على أن 64 في المائة من أطفال المغرب يعجزون عن قراءة قصة بسيطة بشكل سليم وفهم مضامينها في نهاية مرحلة التعليم الابتدائي. وتعود الأسباب الأساسية في ذلك حسب بحث أجراه المجلس الأعلى للتربية والتكوين إلى أربعة أبعاد رئيسية، وهي تغيبات الأساتذة، عدم الالتزام بأوقات العمل، التغيب عن الفصل الدراسي وتقليص وقت التدريس. دون أن نغفل كذلك التغيبات المرتبطة بالمشاكل الصحية والمبررة برخص طبية.
هناك أيضا عوامل أخرى تتسبب في تغيبات الأساتذة، تعد الأكثر شيوعا خلال السنوات الأخيرة في المناطق الحضرية بمؤسسات التعليم الأساسي والتعليم الثانوي الإعدادي والتعليم الثانوي التأهيلي، وهي توالي الإضرابات وخاصة من قبل الأساتذة المتعاقدين الذي ما انفكوا يطالبون بالإدماج في الوظيفة العمومية منذ أزيد من ست سنوات، ناهيكم عن تأخرات الأساتذة بسبب البعد وصعوبة الوصول إلى المؤسسات التعليمية في المدن والقرى على حد سواء، ويزيد من تعقيد الأوضاع سوء الأحوال الجوية في فصل الشتاء بالنسبة للمدرسين في المناطق النائية...
إننا لا ننكر أن جهودا بذلت في هذا الإطار من أجل الحد من ظاهرة التغيب المبرر أو غير المبرر، سواء بالنسبة للأطر التربوية أو للتلاميذ، بيد أنها تظل للأسف الشديد دون مستوى انتظارات الأسر المغربية، مما يستلزم تكثيف الجهود في اتجاه إعادة الثقة لهذه الأسر والإشعاع للمدرسة العمومية، باعتماد أساليب حديثة ومتطورة في تدبير الشأن التربوي بمؤسساتنا التعليمية، من حيث ضبط التأخر والغياب غير المبرر والحد من الإضرابات، وإعادة النظر في معايير الترقي في الرتبة والدرجة للأساتذة ونقطة المواظبة والسلوك بالنسبة للتلاميذ، دون إغفال تحسين شروط العمل والرفع من الأوضاع المادية لنساء ورجال التعليم...