الحبيب عكي
لكم دخل الطلبة المساكين في حيص بيص، خلال هذه العطلة الصيفية الممتدة، 90 يوما والله المستعان وقيظها يحرق فرحتهم التي لم يكادوا يهنأوا بها وهم الذين قد حصلوا على شهادة البكالوريا بعد جهد جهيد بذله كثير منهم للسنة والسنوات، وكلهم أمل كبير وحيوية ونشاط على أن يلجوا الدراسة الجامعية والحياة المهنية من بابها العلمي والتكويني الواسع، وكانوا يعتقدون أنه سيرحب بهم في كل المعاهد والكليات رافعين شهاداتهم ومفاتيح مستقبلهم ويقولون: " هاؤم اقروا بكالوريا"؟.
لكن الواقع شيء آخر وأمر من مرير، وعبثا تحاول الوزارة المعنية والبرامج الحكومية والسياسات العمومية ومشاريع الإصلاح بقانون إطارها، أن يقنع الطلبة وأوليائهم بشيء ذي فائدة وجدوى غير الإهمال والعبث والارتجال بكل مظاهره المتخلفة والقاسية، وكلها تثير الغضب والسخط وبث الشكوى إلى الله عز وجل، وأول وأخطر هذه المظاهر غياب المعلومة وغياب المسؤول الذي يمكن أن تحاوره ويقرر بشأن طلبك وتسوية ملفك. دون أن نتحدث عن التناقضات بالجملة والتعقيدات والقرارات المعيقة أحادية وغير مقنعة؟.
كان على الوزارة الوصية في مصالحها وعبر مدارسها وكلياتها، أن تكون لها خطة إعلامية استراتيجية فعالة ومحكمة.. مواكبة ومجدية ومتجددة، وكان على الإعلام الوطني بكل وسائله السمعية البصرية أن ينخرط في هذه الخطة ويدعمها بقوة واستمرارية، وعلى جمعيات المجتمع المدني خاصة العاملة في مجال التوجيه والارشاد التربوي أن تكون لها أصداء قوية بهذا الصدد تليق بتخصصها ومهنيتها واتحاداتها الجهوية والوطنية، النقابات والتنظيمات الطلابية..، الكل في جهود متضافرة بين الجميع لعل أخبار التوجيه والمبارة والتسجيل والدراسة تشيع في كل الأرجاء وتملأ بعض الفراغ المهول في الميدان؟.
لكن مع الأسف، هناك فراغ مهول في المعلومة التوجيهية والخبر الارشادي الجامعي وحتى النشر المرجعي وغير المتقادم، ليبقى عشرات الألاف من الطلبة الجدد والقدامى يعانون من غياب المعلومة ومن زيفها وتضاربها بشكل يهدد موسمهم الدراسي المقبل ويفوت عليهم فرصة التسجيل القبلي في الموقع الالكتروني لجامعة من الجامعات أو اجتياز مبارة تنافسية لمعهد من المعاهد؟. و إطلالة بسيطة على صفحات التواصل الاجتماعي وبعض المجموعات المغلقة لبعض التخصصات في بعض الجامعات يؤكد كل هذا الوحل؟.
طلبة حائرون يتساءلون عبر هذه الصفحات والمجموعات متى سيفتح التسجيل القبلي؟، ما مدة امتداده للجدد وللقدامى؟، بأي بكالوريا سيتم التسجيل الجديدة أو القديمة؟، إمكانية تغيير الشعبة؟، إمكانية تغيير الكلية في نفس المدينة أو من مدينة إلى أخرى؟، الشعب المتوفرة في كل جامعة؟، المواد التي ستدرس في كل شعبة؟، أفق كل شعبة وحظوظ النجاح فيها؟، الفصول الدراسية s1.. s2 ..s3 ومن تبقت له مادة أو مواد في أي فصل؟، الحي الجامعي؟، شواهد النجاح وسحبها لاجتياز المباريات؟، وعشرات الأسئلة غيرها ظلت بلا جواب أو لها أجوبة متضاربة غير مسؤولة، لا تزيد الطالب غير الحيرة والمعاناة؟.
ربما قد تكون للوزارة الوصية أو الكلية المعنية منصة توجيهية ما، لكنها وكأنها غير معروفة وغير مفعلة فبالأحرى أن تكون مواكبة ومتفاعلة أو محينة وشاملة لكل المراحل التعليمية وكل المعاهد والمدارس العليا والجامعات، فبالأحرى أن تمتد إعلاناتها لتغطي الدراسات في الجامعات الأجنبية الشرقية والغربية والأمريكية لمن يهمهم الأمر؟، أفلا ينبغي أن يتدخل الإعلام في هذه المعضلة التوجيهية الشائكة، وكلها حبلى بعشرات المواضيع والاشكالات المزمنة والمتوالدة التي يمكن أن يشتغل عليها الإعلام ويفكك مواضيعها عبر العديد من البرامج السمعية البصرية.. العديد من البرامج الحوارية والتفاعلية.. العديد من الروبرتاجات الميدانية.. ولما لا الاشهار والرسائل الالكترونية؟.
من يقنع الطالب المغربي مثلا، بحكاية الاستقطاب المحدود والاستقطاب المفتوح في الجامعة؟، أو حكاية الروافد الجامعية المحددة وعلى أي أساس؟، ولماذا لا تكون هذه الروافد في المدارس العليا والمعاهد وكلية الطب والصيدلة؟، حكاية التسجيل بالبكالوريا الجديدة بدل القديمة أو قبلها؟، التسجيل القبلي عبر الأنترنيت وكيف يعد شرطا ضروريا للتسجيل الفعلي بداية الموسم؟، أي انسجام لهذا مع الحق الدستوري في التعليم دون قيد ولا شرط؟، المشاكل العديدة التي يجدها الطلبة مع الموقع وتحول دون تسجيلهم أو يتسجلون عبر المكتبات كأنهم أميون؟، حكاية بعض الشعب التي توجد في بعض الجامعات ولا توجد في البعض الآخر رغم جهويتها؟، الانتقاء القبلي وحكاية المباريات التي تجتاز في نفس المدة الزمنية ويستحيل على الطالب اجتيازها؟، وتمر العطلة كلها بهذا الركام من الأسئلة الحارقة والمؤرقة دون جواب ولا حل ولا تفاعل.. ويدعي المدعون بلا خجل انهم رهن إشارة الطلبة والطالبات؟.
إن الإعلام جزء لا يتجزأ من العملية التربوية على مختلف مراحلها، ومواكبة التلاميذ والتلميذات والطلبة والطالبات حاسمة لا تقل حسما عن مواكبة آبائهم وأساتذتهم لهم في منازلهم ومؤسساتهم التعليمية، لإيناسهم والاستماع إليهم أولا، ثم لاستيضاح الصور والفرص التعليمية على حقائقها ومستجداتها لمن يملك ذلك، والبحث عنه عبر المتاح من الوسائل لمن لا يملكه، ثم للإشارة عليهم بالمعلومة الصحيحة والرأي المفيد قبل حسمهم في توجيههم وبناء اختيارهم حسب مصالحهم وقناعاتهم.. واقعهم ومستقبلهم.. ميولاتهم وقدراتهم.. ممكنهم وإمكانهم، هي عملية صعبة ومعقدة طبعا ولكن لابد أن يترك الآباء فيها باب الاختيار الشخصي لأبنائهم حتى يقرروا في شأنهم عن وعي و واقعية وبكل حرية ومسؤولية؟.
من للطلبة والطالبات حتى وهم داخل المدارس العليا والجامعات خلال الموسم، ألا يعانون من مشاكل عديدة ومعقدة تحدد مصيرهم ومصير هذا الوطن.. مشاكل وصعوبات في الاندماج في الوسط الجامعي.. مشاكل وترددات في اختيار الشعب الدراسية.. مشاكل وصعوبات القدرة على مواكبة الدراسة بأسلوب غير معهود.. مشاكل وضغوطات نفسية.. صحية.. جنسية عاطفية.. اقتصادية.. اجتماعية.. السكن.. النقل.. التغذية.. المنحة.. الحي الجامعي.. الزمالة.. المقررات.. المراجع.. المكتبات.. الأساتذة.. الامتحانات.. البحث العلمي.. الأنشطة.. العنف.. الإضرابات..، فماذا تفعل الوزارة الوصية وأي حكامة لها.. أي إبداع؟، وبكم يساهم إعلامنا الوطني في تفكيك هذه الإشكالات المؤرقة والتخفيف من ضغوطاتها، قبل أن نتحدث يوما ولات حين لا يجدي الحديث عن الهدر المدرسي والاخفاق الجامعي، أو عن مجرد تبديد المال العام في تخريج مجرد العاطلين؟.