بقلم محسن زردان
من جديد تطفو على مجريات الساحة التعليمية، إشكالية الدروس الخصوصية المؤدى عنها حسب تعبير الوزارة من خلال مذكرتها رقم 233-14 الصادرة بتاريخ 11 دجنبر 2014، وهي إشارة إلى أن الأمر، لا يشمل الدروس الأخرى غير المؤدى عنها، أو التطوعية التي هي في حكم النادر حسب ما يلحظ.
ظاهرة الدروس الخصوصية، أو ما يمكن تسميتها مجازا بالاقتصاد غير المهيكل، لكونه يدر أموالا مهمة على أصحابه، وهو لحدود الساعة مازال يفلت من قبضة خضوعه للضريبة على الدخل، قد يشكل موردا آخر للدولة وكنزا من كنوز علي بابا، كما هو الشأن مع الاقتطاع من أجور المضربين، في حالة إن وجدت صيغة للاعتراف به والسماح بممارسته في إطار ترخيص مقنن يشمل فقط الأسر الميسورة، ما دامت الدولة غير قادرة لحدود الساعة على مواجهته لتشابكه وتعقده، غير أن ذلك الأمر هو مستبعد جدا، لكون هذه الظاهرة مشينة في أبعادها التربوية والأخلاقية والدينية والقانونية، حيث يتم تحويل التعليم إلى تجارة ربحية ، يتم فيها استغلال التلميذ أبشع استغلال، وتصبح الأسر الفقيرة هي الضحية الكبرى.
للإشارة فقط، فقد بدأت النوايا في التصدي لهذه الظاهرة مع عهد الوزير السابق الوفا، من خلال حملته على الأساتذة التابعين للدولة والذين يشتغلون في القطاع الخاص، لكن حملته تم كبحها و مواجهتها بشراسة من طرف شرائح عريضة من المستفيدين تتقدمهم مؤسسات التعليم الخاص.
من خلال هذا المعطى، هل يمكن القول أن سياق هذه المذكرة الوزارية جاء في إطار مبدأ الاستمرارية لتخليق الفعل التربوي، وكذا المحاربة التدريجية لهذه الظاهرة التي استفحلت بقوة خلال السنين الأخيرة، أم أن الأمر هو إجراء روتيني سنوي لا يعدو أن يكون في كنهه كتابة بعض الكلمات والعبارات المألوفة لا تخرج عن سياق العموميات التي تطالب من خلالها الوزارة مصالحها الخارجية بتكثيف أعمال المراقبة التربوية، وكذا أولياء أمور التلاميذ والتلميذات بالإبلاغ عن أية مخالفة في هذا الصدد، فضلا على ضرورة المتابعة التأديبية لكل من ثبت في حقه التعاطي لهذه الظاهرة بتفعيل المقتضيات القانونية والتنظيمية الجاري بها العمل، مع إغفال تحديد جدولة زمنية للجان المكلفة بالمراقبة ومطالبتها برفع تقارير للجهات المسؤولة.
المتأمل بعمق لمضمون هذه المذكرة، يجد أن الوزارة حولت هذا الملف الحارق إلى الأكاديميات والنيابات لتحميلهم الجزء الأكبر من المسؤولية، وهي مسؤولية ثقيلة بالنظر لحجم انتشار هذه الظاهرة التي يتجنب الكثير مغامرة الدخول فيها، حيث سيجد المسؤولون أنفسهم أمام مشاكل لا حصر لها، بداية مع الأجهزة واللجان المكلفة بالمراقبة ذاتها التي تواجه حرجا بالغا للقيام بأدوار بوليسية وهي تجوب المؤسسات المشكوك فيها لاستنطاق الأساتذة والتلاميذ، كما أن المديرين والمفتشين في غالب الأحيان يكونون على علم بالأساتذة الذين يمارسون هذه الظاهرة، لكن غالبيتهم تفضل تجنب رفع تقارير للسلطات المختصة في هذا الشأن، إما اعتقادا منهم أنها مسألة لا تدخل في اختصاصهم، أو درئا للدخول في مشاحنات مع الأساتذة يمكنها أن تدخل المؤسسة في جو مشحون هم في غنى عنه، وفي أحيان عدة ينقلب الأمر عليهم باعتبارهم يثيرون المشاكل، وقد يصل الموضوع إلى درجة تدخل سلطات العمالة ووزارة الداخلية لتستفسر عن طبيعة المشاكل، ليكون الأمر في آخر المطاف إعطاء الجانب الأمني الأسبقية على أي شيء آخر.
من جهة أخرى، إن المرء ليتساءل عن الدافع الحقيقي الذي يدفع بعض الأطر التربوية للجوء إلى هذه الظاهرة، هل بدافع الحاجة وضعف أجورهم، أم بدافع الجشع وجني أموال أخرى تضمن لهم مستوى عيش أفضل، أم بدافع الانتقام من وضع مجتمعي ينخره الفساد والغش والرشوة، كتكريس لقيم مجتمعية مترسخة، أم أن الأمر فيه تواطؤ الجميع ضد المدرسة المغربية لتشويه أطرها وبالتالي إعلان عن إفلاس نموذج المدرسة المغربية العمومية.
في السياق ذاته، المجتمع المدني مازال غائبا عن الموضوع، حيث مجموع مكونات جمعيات آباء وأولياء المؤسسات التعليمية لا تنخرط في الحد من هذه الظاهرة من أجل التبليغ عن حالات استغلال للمتعلمين قسرا من أجل الدروس الخصوصية المؤدى عنها، إذن فهل هو استخفاف بخطورة هذه الظاهرة وعدم الوعي بأبعادها السلبية، أم هو خوف على أبنائهم من ردود فعل انتقامية، أم أن هناك قناعة بأن شكواهم سيطالها الإهمال واللامبالاة.
نتصور أن مواجهة هذه الظاهرة، تتطلب إرادة سياسية واضحة وقوية، كما كان الأمر مع مواجهة ملف شائك كالاقتطاعات من أجور المضربين، التي نجحت الوزارة ومعها الحكومة في تنزيله بحذافيره، وذلك بوضع خطة وطنية في هذا المجال محددة في الزمان والمكان، وتشكيل لجان مستقلة عن الوزارة الوصية كما هو الشأن بلجان المجلس الأعلى للحسابات، تقوم بزيارات مستمرة وسنوية لمختلف المؤسسات التعليمية على الصعيد الوطني.