في مقالها التحليلي، تفكك الأستاذة نجاة خوش مفهوم "الهركاوي" الذي شاع في الخطاب العام المغربي، خاصة بعد تصريح الفنان حسن الفذ، لتؤكد أن التهركاويت ليست مرتبطة بالأصل الجغرافي أو الطبقي، بل بسلوكيات فردية تعكس غياب الوعي المدني، الاحترام، والانتماء الوطني. فـ"الهركاوي" هو من يتصرف بأنانية، يخرق القوانين، يسيء للآخرين، ويغيب عنه الحس المجتمعي، سواء كان مدينيًا أو بدويًا، غنيًا أو فقيرًا.
وتدعو الكاتبة إلى ضرورة تطوير الفكر النقدي لدى المواطن قبل تبني المفاهيم المتداولة، مع التأكيد على دور الأسرة، المدرسة، والإعلام في ترسيخ القيم الإيجابية، وتطبيق القانون بشكل عادل لردع السلوكيات الفوضوية. كما تشيد بدور الفنان الحقيقي في إثارة النقاشات الفكرية والمجتمعية، معتبرة أن تصريح الفذ ساهم في فتح باب مهم للحوار حول أزمة القيم والسلوك في المجتمع المغربي.
المقال:
الأستاذة نجاة خوش
منذ أن خرج علينا الفنان حسن الفذ بتصريحه حول رفضه لظاهرة "التهركاويت" وتعريفه لها بأنها قلة التمدن في التعامل مع بعضنا البعض، حتى شاع المصطلح بشكل غريب وأصبح يستعمل في سياقات متعددة ولسب وشتم أشخاص صدرت منهم تصرفات غير مقبولة أخلاقيا. المشكلة هي ربطه بالبدو وأن "الهركاوي" بصيغة أخرى هو الشخص "العروبي" بلساننا الدارج، في إشارة إلى أن الهركاوي قليل التمدن هو إنسان غير متحضر، وأن الحضارة و"اللاتهركاويت" مرتبطة أساسا وقطعا بسكان المدن. وهذا ربط في نظري قاصر،عنصري وبعيد عن الحقيقة.
الإنسان المتحضر ليس بالضرورة هو الإنسان المديني، فالتحضر كمفهوم هو سلوك إنساني إيجابي يتضمن مجموعة من القيم والخصائص التي تعكس مستوى راقي من الوعي والتربية والاحترام للآخرين. والمقصود ب''الهركاوي'' هو الشخص الذي لا يمتلك أبجديات التعامل باحترام مع الناس أو أخلاقيات تمنعه من أذيتهم بتصرفاته، أي أنه شخص قليل التربية والوعي لا قليل التمدن.
''الهركاوي'' يمكن أن يكون غنيا أو فقيرا، متعلما أو أميا، بدويا أو مدينيا، رجلا أو امرأة، فهو شخص متجرد من القيم المجتمعية ومتمرد عليها. ''الهركاوي'' شخص أناني لا يفكر في الآخرين ولا تهمه إلا مصلحته الخاصة، وقد يستخدم جميع الطرق لبلوغها. ''الهركاوي'' شخص خائن للأمانة وغير مخلص في عمله. ''الهر كاوي'' قد يملك من الحقد والحسد ما يجعله يسعى إلى أذية الناس بشتى الطرق اللامشروعة.
''الهركاوي'' قد يكون قاطنا في بلدان المهجر التي يلتزم فيها بمظاهر التحضر التي فرضت عليه بسلطة القانون، لكنه عندما يعود إلى بلده الأصل لا يحترم القوانين ويقوم بتصرفات تعكس قلة وعيه.
من يرمي الأزبال في أماكن غير مخصصة لذلك ولا يحترم الفضاء العام هو شخص'' هركاوي''. من لا يحافظ على نظافته الشخصية ويؤذي الناس برائحته هو شخص'' هركاوي''. ومن يتكلم ويجرح الآخرين تحت دريعة أنه صريح، بينما هو في الحقيقة وقح أو يستخدم ألفاظا نابية، فهو'' هركاوي''.
من يساهم في التشهير والخوض في أعراض الناس، ومن يستغل عجز الناس أو حاجتهم لتحقيق الشهرة أو أرباح مادية، فهو هركاوي. الذي يزيد في الأسعار ويغش في الميزان شخص ''هركاوي''.
من يلجأ دائما للعنف الجسدي أو اللفظي لفرض رأيه هو شخص هركاوي. من يتعامل مع الناس بتكبر ومن فوق برج عال فهو شخص هركاوي. ومن يدعي امتلاك المعرفة فهو شخص'' هركاوي''.
من تلغي صفة الحياء من قاموسها وتتصرف دون استحضاره كقيمة، أو من تصف امرأة أخرى بأبشع الصفات فقط بسبب الغيرة، بل وقد تتفاخر بما تمتلكه من أشياء تندرج ضمن خانة الماديات و تتنمر على الآخرين فهي امرأة ''هركاوية''.
من لا يحترم قانون السير ويسرق إشارات المرور لاستخدامها كأواني منزلية، ويسوق دراجته النارية وسط الحدائق المخصصة للأطفال والراجلين، فهو ''هركاوي''.
من يستولي على ممتلكات الآخرين أو الملك العمومي فهو'' هركاوي''. ومن يسعى لتلميع صورته على حساب تشويه سمعة الآخرين فهو'' هركاوي''.
من يعاكس النساء فهو ''هركاوي''، ومن تستخدم جسمها وسيلة للجذب والإغراء فهي ''هركاوية''.
من ينشر حياته الخاصة بجميع تفاصيلها ومشاكله على وسائل التواصل الاجتماعي دون الحفاظ على الحد الأدنى من الخصوصية، بل ويظهر أسرته ويستغلها لجلب المشاهدات والأرباح، فهو'' هركاوي''.
باختصار شديد، ''الهركاوي ''هو كل مواطن فوضوي فاقد للشعور بالانتماء لهذا الوطن، لأنه لو شعر به لقام بتعديل سلوكياته ولحافظ على أرض بلده وأهلها. أي أن'' التهريكاويت'' لها تمظهرات وصور عديدة لا صلة لها بأصول هؤلاء الأشخاص أو أماكن إقاماتهم، بل بسلوكياتهم ،عقلياتهم وأخلاقياتهم.
وأتساءل متى سنعمل على تطوير فكرنا النقدي قبل تبني آراء الآخرين، ومتى سندقق في المفهوم وتمظهراته قبل تداوله في تعاملاتنا اليومية؟
و فيما يخص محاربة ''تهركاويت'' فمن الضروري تعزيز دور الأسرة والمدرسة والإعلام لنشر الوعي وتسليط الضوء على النماذج الإيجابية مع الزامية تطبيق القوانين بشكل عادل ومنصف لضمان احترام الجميع للقواعد ، وحتى لا تتحول السلوكيات الفردية إلى ظاهرة اجتماعية تصعب معالجتها.
لن أنسى أن أضيف أن الفنان الحقيقي هو من يخلق نقاشا بناءً وجدلاً مجتمعياً و فكريا واسعا بتصريحاته، وهذا ما فعله الفنان حسن الفذ، فشكراً له.