حاوره سعيد الشقروني
سؤال: أسألكم عن تجربة اشتغالكم في فريق تربوي في أكاديمية الجهة الشرقية؟
جواب:في البداية أشكر لكم أستاذ سعيد الشقروني دعوتكم الكريمة لهذا الحوار الذي أسعدني كثيرا.. وجوابا عن سؤالكم، لا بأس من التذكير بأن فكرة تأسيس الفرق التربوية كان مبادرة من الأكاديمية الجهوية للتربية والتكوين لجهة الشرق، واستجابة لاستراتيجية الوزارة الوصية للنهوض بالبحث التربوي ابتداء من سنة 2010، إذ سعت من خلال هذه المبادرة إلى جمع المهتمين والباحثين في المجال التربوي وتوحيد جهودهم. وقد أتاحت لي هذه الفرصة اللقاء بمجموعة من الإخوة الذين تبادلت معهم العديد من الخبرات والتجارب التي تُوِّجت بمشاركتنا في الملتقى الوطني الثاني للبحث التربوي الذي نظّم يومي 23 و24 دجنبر سنة 2011، تحت شعار "تطوير البحث التربوي دعامة أساسية لتجديد النموذج التربوي المغربي"؛ وقد مثل هذا الملتقى فضاء للاطلاع على مجموعة من التجارب والبحوث التربوية الجادة.. لكن للأسف، لم يكتب لعمل هذه الفرق الاستمرار لأسباب شتى لعل أهمها غياب الدعم الذي يساعد هذه الفرق على إتمام مشاريعها ونشر نتائجها. ولهذا، فإننا نلاحظ أن جل جهود الباحثين في الحقل التربوي ببلادنا هي مجهودات فردية وقليلة إذا ما قورنت بعدد الأساتذة والمتدخلين في هذا الحقل، ونستدل على ذلك بالإحصائيات المقدمة من قبل مديرية المناهج والبحث التربوي سنة 2014، والتي أثبتت أن بعض الجهات والمناطق التربوية مثل(الدار البيضاء الكبرى) و(سوس ماسة درعة) لا ينشط بها أي فريق تربوي وأن جهات أخرى مثل: (الرباط، سلا، زمور، زعير) و(كلميم، السمارة) ينشط بكل واحدة منهما فريقان اثنان فقط، مع أن الفريقين التربويين في الجهة الأولى لم ينتجا أي بحث تربوي، أما أقصى عدد للفرق التربوية فيبلغ ستة وعشرين فريقا ويوجد بجهة طنجة تطوان.
إن البحث التربوي ينبغي التعامل معه بجدية أكثر كي يواكب تطور الواقع التعليمي، ويساهم في اقتراح حلول للمشاكل القائمة في القطاع، ولن يتأتى ذلك إلا بدعم الباحثين وتذليل مختلف العقبات التي تعترض سبيلهم.
سؤال: ما هو واقع التأليف حول الكتاب المدرسي؟
جواب:يمثل الكتاب المدرسي قطبا مهما في المثلث الديداكتيكي إلى جانب كل من المدرس والمتعلم، ونحن نعلم أن عمليات تأليف هذا الكتاب، المتفرد بخصوصيات تميزه عن بقية الكتب، تمر بسلسلة من الخطوات يتداخل فيها الإيديولوجي والتربوي والمادي والفني... ومما لا شك فيه أن اللجان التي تحمل على عاتقها مهمة التأليف تبذل قصارى جهدها لإخراج الكتاب المدرسي على أكمل وجه. لكن الجهد البشري لا يمكنه تجاوز كل الهفوات، لهذا ينبغي أن تتكاتف مجهودات جنود الحقل التربوي لدعم لجان التأليف بالتنبيه إلى مواطن الإجادة أو الضعف في الكتب المدرسية.
في هذا السياق، نلاحظ حضور شكلين أساسيين من الـتأليف؛ أولهما التأليف الموازي الذي يمكن اعتباره، في غالب الأحيان، مكملا ومفسرا وموضحا لما جاء به الكتاب المدرسي، وثانيهما الكتابات النقدية التي تروم نقد وتقويم الكتاب المدرسي. ويلاحظ المتتبع لحقل التأليف والنشر في المجال التربوي أن النوع الأول هو الغالب لما يلقاه من رواج تجاري وإقبال من قِبل المدرسين والمتعلمين على وجه السواء، غير أن هذا لا ينفي وجود كتابات جادة من النوع الثاني، وإن كان جلها عبارة عن مقالات تنشر على صفحات الجرائد أو المجلات المتخصصة. ملاحظة أخرى يمكن أن ننبه إليها أيضا، هي أن أغلب الدراسات التي تنصب على المواضيع التربوية تُنجز داخل أسوار المؤسسات الأكاديمية، ولهذا فنحن بحاجة لمن يخرج تلك الأبحاث من رفوف الجامعات ومراكز مهن التربية والتكوين ويدعمَ هذا النوع من التأليف نشرا وتوزيعا..
سؤال:أنتقل معكم إلى الجانب البيداغوجي لأسألكم عن صعوبات تدريس مكوني التعبير والإنشاء والمؤلفات؟
جواب:إن مكون التعبير والإنشاء يأتي تتويجا لسلسلة من الأنشطة التعليمية التعلمية، فهو يكشف عن مدى اكتساب التلميذ للكفايات وقدرته على توظيفها في وضعيات إنتاجية مختلفة، وهذا ما يُكسِب هذا المكون طابعا تركيبيا تتداخل فيه مجموعة من الكفايات وفي مقدمتها الكفايات المنهجية والثقافية والتواصلية.
وإذا انطلقنا من السنة النهائية للتعليم الثانوي التأهيلي، وبالرجوع إلى التوجيهات الرسمية، فإن مكون التعبير والإنشاء خلال هذا الطور التعليمي يسعى إلى تعزيز المكتسبات المهارية التي تعرّفها المتعلم في المراحل السابقة،ويمكنه من القدرة على الإنتاج الكتابي، وذلك عبر استدماج الكفايات والمهارات المختلفة وبلورتها في كتابة موضوع إنشائي. وأخيرا، تمكين المتعلم من التحكم في آليات الاشتغال على نص أو قولة وفق ما تستدعيه مقتضيات الإنشاء الأدبي.
ومن هنا بالضبط يمكننا الحديث عن مكمن صعوبة تدريس التعبير والإنشاء؛ إذ لا يمكن الحديث عن سقف البناء دون وضع القواعد والأسس، أي إن التلميذ لا يمكن أن يكتب موضوعا إنشائيا دون أن يكون قد اكتسب تعلمات رئيسة سابقة؛ كاكتساب رصيد معجمي معين ومهارة الربط بين الأفكار ومهارة التعليق والحكم... ولتخطي هذه العوائق فإن المدرس والمتعلم مطالبان بالاشتغال في الآن نفسه على مستويين اثنين؛ مستوى أفقي يقتضي اكتساب المهارات المبرمجة في مجزوءة معينة، ومستوى عمودي يروم تعزيز المكتسبات السابقة. ولا يكتمل هذان المستويان إلا بفتح الباب أمام التلميذ للتعبير شفهيا وكتابيا وعدم الاقتصار على اكتساب التصورات النظرية..
أما فيما يخص تدريس المؤلفات فإن أهميته تتجلى في كونه يهدف إلى تنمية الكفاية القرائية والمنهجية والتواصلية لدى المتعلم، مع الحرص على ترسيخ مبدأ التعلم الذاتي وحفز التلميذ على تعرف الجوانب المنهجية والفنية للمؤلَّف، إلا أن تحقيق هذه الأهداف كلها قد يصطدم أحيانا بعزوف بعض التلاميذ عن قراءة المؤلف المُبرمج، وذلك ما يفرض على المدرس مضاعفة الجهد عن طريق تفعيل الإعداد القبلي بطرح أسئلة مركزة عن القضايا والظواهر الفنية التي يتضمنها كل فصل، وكذا بتخصيص حصص دعم لقراءة فصول من المؤلف ومناقشتها، والحرص على ربط المقروء بباقي مكونات اللغة العربية لتعزيز أهميته، دون أن نغفل ضرورة التجديد منهجيا في عمليات تدريس المؤلف تفاديا لإدخال المتعلم في حالات من الملل والضجر؛ كاقتصار المدرس على الإملاء أو الاعتماد على المقاربات التي تقترحها المؤلفات الموازية.
سؤال: علاقة بالسؤال السابق، ومن موقع الأستاذ، ما الفرق بين تدريس "الرواية" وتدريس "الكتاب النقدي" في درس المؤلفات؟
جواب: انطلاقا من تجربتي الميدانية، فإن التلميذ يتفاعل بشكل إيجابي أكثر مع النصوص الروائية، وهذا راجع إلى طبيعة السرد الغني بالأحداث والشخصيات والحركة، والقريب من الواقع والهموم اليومية للإنسان. في المقابل يجد التلميذ صعوبة في تفكيك ومناقشة قضاياه. ويعزى سبب هذا الإشكال في نظرنا إلى طبيعة اللغة النقدية المتسمة بطابعها المفاهيمي التجريدي، كما أن البناء النسقي للكتاب النقدي يتطلبُ خلفيات ومرجعيات فكرية يفتقدها الكثير من تلامذتنا مما يجعلهم ينفرون من هذا النوع من التأليف ويحاولون الاكتفاء بالملخصات المختزلة.
كل ذلك، يجعل تدريس العمل الروائي أيسر، بينما يستوجب تدريس "الكتاب النقدي" صبرا وتحفيزا أكثر للتلميذ،بتشجيعه على قراءة الكتاب موزعا إلى مقاطع أو فصول تُناقش وتحلل بشكل مستقل، وتجعل التلميذ ينتقل من الجزء إلى الكل حتى لا يقع تحت رهبة الكتاب عند قراءته دفعة واحدة..
سؤال: أصدرتم في هذا الإطار كتابا مشتركا بعنوان "دراسات في الكتاب المدرسي"..هل يمكن أن تقربوا القارئ من موضوعات الكتاب؟ وأين تكمن فائدته البيداغوحية؟
جواب:كتاب "دراسات نقدية في الكتاب المدرسي" هو كتاب صدر عام 2012 عن شركة مطابع الأنوار المغاربية بوجدة، ساهم في إعداده جماعة من المؤلفين الباحثين في المجال التربوي اشتغلوا في إطار فريق تربوي جهوي. وقد ضم الكتاب ست دراسات انصبت على تناول الكتاب المدرسي لمادة اللغة العربية؛ دراستان من الكتاب توقفتا عند طريقة تقديم المنهجين البينوي والاجتماعي في الكتب المدرسية لمادة اللغة العربية الخاصة بالسنة الثانية باكالوريا، الدراسة الثالثة صاغت بعض الإشكالات المرتبطة بـ"الدرس اللغوي" في السنة النهائية من التعليم الثانوي التأهيلي، أما الدراسة الرابعة فقد اختارت كتاب "الممتاز في اللغة العربية لتقديم قراءة في مكون التعبير والإنشاء في التعليم الثانوي التأهيلي. والدراسة الخامسة اتبعت خطة تصنيفية تقويمية من خلال دراسة الخطأ في كتاب "في رحاب اللغة العربية".
الفائدة البيداغوجية للكتاب تكمن أولا في كونه عملا جماعيا ينم عن انشغال الفاعلين في القطاع التربوي بالقضايا التي ترتبط بمجالات اشتغالهم، وتوحيد جهودهم لتقديم وجهات نظر في القضايا التربوية،كما يتميز الكتاب بتنوع قضاياه ومواضيعه ومنهجيات المعالجة، بالإضافة إلى كونه يثير عددا من الأسئلة المهمة ويفتح آفاق البحث أمام باحثين آخرين للإدلاء بدلوهم في الشأن التربوي عموما، والكتاب المدرسي خصوصا.
سؤال: حظي كتاب "دراسات نقدية في الكتاب المدرسي" بدراسة هامة لكم حول "شرح الكلمات في الكتاب المدرسي"..لماذا اختيار هذا الموضوع بالذات، وما أهميته؟
جواب: من خلال كتاب "دراسات نقدية في الكتاب المدرسي" حاولت تقديم قراءة تحليلية للمنهج المعتمد في شرح الكلمات في الكتاب المدرسي نظرا للمكانة المهمة التي تحظى بها عملية الشرح في الفعل التعليمي التعلمي؛ إنها مرقى أساسي في فهم النصوص وتحليلها، لذا فقد أثرت في الدراسة المقدمة بعض الأسئلة الملحة من قبيل: ما طبيعة الأشكال التي يستوحيها الكتاب المدرسي في شرح الكلمات المفاتيح للنصوص؟ وهل يحقق المشروح ما رُسِم له من أهداف أم أنه مجرد إضافة شكلية لا تفيد التلميذ شيئا، وبعبارة أدق، هل تخضع عملية الشرح في الكتب المدرسية لاستراتيجية منهجية محدد؟
لخوض غمار هذا البحث التربوي قمت بعملية جرد لكل الكلمات المشروحة في الكتب المدرسية، الخاصة بمادة اللغة العربية والموجهة لتلامذة مستوى السنة الثالثة من التعليم الثانوي الإعدادي (المختار في اللغة العربية، الأساسي في اللغة العربية، مرشدي في اللغة العربية). وقد عمدت إلى تقسيم دراسة كل كتاب إلى مستويين اثنين: مستوى شرح الكلمات المفردة؛ ونقصد بالكلمات المفردة تلك الألفاظ التي تستقل بنائيا عن غيرها، ثم مستوى شرح العبارات أي ما كان مركبا من لفظين ظاهرين أو أكثر.
خرجت الدراسة بالعديد من النتائج، لا بأس من أن أشارك القارئ بعضها:
لقد تنوعت مسميات "الشرح" في الكتب المدرسية بين (إيضاحات لغوية) في "الأساسي"، و(شروح وإيضاءات) في "مرشدي"، و (شروح مساعدة) في "المختار" لكنها تشاركت في منهجية الشرح، وفي مواضع القصور؛ خاصة فيما يتعلق بالشرح بالضد (كتابان اثنان فقط وظفا هذا النوع من الشرح لكن بشكل محدود جدا)، وكذا إهمال الصورة في عملية الشرح، فقد ظل حضورها غائبا في كل الكتب المدرسية رغم كفايته التعليمية المهمة. توصلنا أيضا إلى أن عمليات الشرح لم تتوقف في الغالب عند الكلمات المفاتيح في النصوص، إذ من اللازم أن تُعطى الأولوية للألفاظ المرتبطة بالمجالات المدروسة حتى يـتأتى للمتعلمين أن يُغنوا رصيدهم المعجمي من حقول متنوعة.
ولتفادي تلك الهفوات وغيرها، اقترحنا ضرورة إحداث لجان تتبّع للرصيد اللغوي للتنسيق بين واضعي الكتب المدرسية على المستويين الأفقي والعمودي؛ أي بين مؤلفي كتب المستوى الواحد من جهة، ومؤلفي كتب كافة المستويات من جهة أخرى، قصد التنويع في طرق الشرح، وتفادي تكرار شرح الكلمات نفسها، والعمل على برمجة رصيد معجمي معين لكل مستوى تعليمي..
سؤال: كلمة أخيرة..
جواب: أكرر شكري أستاذي الكريم على هذا الحوار الشيق، وعلى اهتمامكم بقضايا المدرسة المغربية التي تمثل مشروعا مجتمعيا يستدعي تعاون الجميع للخروج من النفق المظلم الذي أضحت تتخبط فيه منظومتنا التعليمية..
بدوري وباسم تربويات، أعرب لكم عن شكري على قبولكم الدعوة لهذا الحوار وعلى سعة صدركم، راجيا لكم التوفيق في مسيرتكم العلمية والبيداغوجية..تقبل مودتي..