اسماعيل الحلوتي
في خضم ما بات يعرفه المجتمع المغربي خلال السنوات الأخيرة من انهيار في منظومة القيم وتنامي ظاهرة العنف، طالما دقت تقارير مؤسسات وطنية ومنظمات حقوقية إلى جانب فعاليات المجتمع المدني ناقوس الخطر، منبهة أصحاب القرار إلى ما أضحت تشهده المؤسسات التعليمية من مظاهر الانحراف والاعتداءات المتكررة على نساء ورجال التعليم من قبل تلامذتهم وذويهم في مختلف جهات المملكة، وخاصة في المدن الكبرى، دون أن تتمكن الحكومات المتعاقبة من اتخاذ ما يلزم من قرارات صارمة لمكافحة ظاهرة العنف المدرسي، واجتراح الحلول الملائمة للحد من آثارها وعواقبها الوخيمة.
والتعليم كما هو غير خاف على أي كان ولا يحتاج إلى دليل، واحد من بين أشرف المهن التي يمارسها الإنسان، ويكفي المعلم فخرا ما قال فيه سيد الخلق النبي الكريم محمد على أفضل الصلاة: "إن الله وملائكته وأهل السماوات والأرض حتى النملة في جحرها والحوت في البحر، ليصلون على معلم الناس الخير". وتنويه أمير الشعراء أحمد شوقي إلى ضرورة احترام المعلم وتقديره حين قال "كاد المعلم أن يكون رسولا" اعتبارا للدور الكبير الذي يقوم به فاعل الخير وخاصة المعلم الذي يكرس كل جهوده في تربية وتعليم الأجيال، وإلا ما كانت علاقته بتلامذته لتظل محط تقدير واحترام بين الناس على مر العصور، قبل أن تتلوث بفعل التطورات السلبية، مما خلق أجواء من الاضطراب، انعدام الثقة داخل أسوار المؤسسات التعليمية، الارتباك في سير الدروس وأثر سلبا على العملية التعليمية –التعلمية.
فمما يؤسف له في الآونة الأخيرة، هو تزايد حالات العنف واستعمال السلاح الأبيض في الاعتداء على المواطنات والمواطنين في أي مكان، حيث أنه لم يعد يمر علينا أسبوع حتى لا نقول يوم، دون أن يتناهى إلى مسامعنا خبر عن اعتداء على أستاذ أو أستاذة من هنا أو هناك، عبر مختلف وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي، حيث تتعالى أصوات الاحتجاج والتنديد بتلك الممارسات الشنيعة، والمطالبة بتشديد العقوبات على الجناة، ومن بينهم بعض التلاميذ المنحرفين والمشاغبين من المعتدين على الأساتذة، الذين ما انفكوا يبذلون قصارى الجهود ويقدمون تضحيات جساما بحس وطني صادق وروح المسؤولية ونكران الذات، بهدف النهوض برسالتهم التربوية في تنوير عقول المتعلمات والمتعلمين والرفع من مستوياتهم التعليمية، بما يساهم في تعميق معارفهم ويؤهلهم لاجتياز امتحاناتهم في ظروف جيدة.
إذ أنه وقبل حتى أن تتلاشى أصداء الاعتداء الشنيع على إحدى التلميذات بشفرة حلاقة على مستوى وجهها من طرف زميلة لها في الدراسة، وما سبقها من حالات أخرى ذهب ضحيتها تلاميذ وأساتذة، لم يكن أحد يتوقع أن تصل الأمور إلى حد وقوع الكارثة الكبرى، التي يقدم فيها تلميذ على إزهاق روح أستاذته بكل برودة، كما حدث في مدينة أرفود خلال الأيام الأخيرة من الشهر الفضيل رمضان، حين باغت أحد المتدربين في معهد للتكوين المهني أستاذته لمادة اللغة الفرنسية في الشارع العام بطعنة غادرة على مستوى الرأس مستعملا في ذلك آلة حادة، وتركها تسبح في بركة من دمائها الزكية. غير أن المصالح الأمنية لم تتأخر في توقيف الجاني ونقل الضحية على وجه السرعة إلى المستشفى الجامعي بمدينة فاس لتلقي العلاجات اللازمة.
وجدير بالذكر أن الأستاذة هاجر كانت قد دخلت في غيبوبة لأسابيع، ولم تصمد كثيرا أمام ما خلفه ذلك الهجوم الوحشي من إصابة خطيرة، حيث ظلت هناك في قسم العناية المركزة إلى أن فارقت الحياة صباح يوم الأحد 13 أبريل 2025 متأثرة بجروح بليغة، دون أن تنفع في إنقاذ حياتها تلك الإسعافات الأولية وما خضعت له من عملية جراحية ومتابعة طبية دقيقة منذ نقلها إلى المستشفى السالف الذكر.
فأين نحن من حماية المدرسين والتعاون بين الأسرة والمدرسة في النهوض بالعمل التربوي والتعليمي، إذا كنا نعلم أن حياة التلميذ الدراسية لا تنفصل عن حياته اليومية في البيت، ولاسيما أن البيت والمدرسة يعدان شريكين أساسيين في عملية التنشئة الاجتماعية للمتعلم؟
وعلى إثر هذا الحدث المأساوي الرهيب الذي نتمنى صادقين أن تتضافر جهود الجميع من أجل عدم تكراره، فإنه لا يفوتنا في هذه المناسبة الأليمة والتي تصادف للأسف العميق الذكرى الثلاثين لميلاد الفقيدة هاجر شهيدة الواجب المهني، أن نترحم على روحها الطاهرة، بعد أن شيع جثمانها في موكب جنائزي مهيب مئات المواطنين يتقدمهم إلى جانب بعض المسؤولين زميلاتها وزملاؤها وتلامذتها يوم الإثنين 14 أبريل 2025 إلى مثواه الأخير بمقبرة سيدي غريب بمدينة الخميسات مسقط رأسها، ونسأله تعالى أن يتغمد الراحلة بالمغفرة والرضوان، ويسكنها فسيح الجنان، ويلهم أسرتيها الكبيرة والصغيرة الصبر والسلوان. وإنا لله وإنا إليه راجعون.