محمد مومني
قال لي احد العارفين بخبايا التعليم عندما قدمت ترشيحي لمنصب نائب بأنني سوف لن اكون حتى ضمن المدعوين لإجراء المقابلة الشفوية ذلك لانني حسب ما أكده لي لست ضمن المعادلات الخاصة المخفية كما انني لست رقما مهما في المنظومة المتحكمة في مثل هذه الامور. وقد تحققت فعلا نبوءته لكن ذلك ما كان ليهد من عزيمتي. إلا انني تفاجأت عن السرعة التي تم فيها الاعلان عن لائحة المترشحين باعتبار ان اخر اجل لوضع الملفات كان في 19 نونبر بينما تم الاعلان عن لائحة المدعوين للشفوي في 26 نونبر ..اي ان دراسة الملفات تمت في زمن قياسي لم يتعد اسبوعا والتساؤل المطروح: هل هذه المدة كافية لدراسة كل الملفات علما بان كل ملف يتوفر على مشروع شخصي من 20 صفحة على الاكثر و سيرة ذاتية من ثلاث الى اربع صفحات. فعملية الانتقاء كما هو متعارف عليه تتطلب برمجة زمنية تتوافق مع حجم المنصب والملفات المدروسة. هل فعلا تم الاطلاع على كل المشاريع المقترحة خاصة وان عدد الملفات المعروضة تعدت 500 ملف اي بمعدل 62 ملف يوميا وهل بالإمكان قراءتها كلها في ظرف اسبوع بحيث انه من المفترض ان اللجنة المختصة قد اطلعت على كل الملفات, وإذا افترضنا ان كل ملف يحتاج الى نصف ساعة لدراسته فهذا يعني ان الزمن المطلوب هو 31 ساعة في كل يوم مما يعني تجنيد عدد هائل من الموظفين لانجاز هذه العملية وهذا غير ممكن. نفس القراءة يمكن تطبيقها على اللجان التي ستتكلف بالمقابلات الشفوية بحيث ان البرمجة الزمنية الضيقة لا تتيح لأعضاء اللجنة الاطلاع بدقة على الملفات ومناقشة المشاريع الشخصية لكل مرشح.هل يومين كافية لمناقشة 270 مرشح لمنصب هام كهذا. ولا زلت اتساءل عن المعايير التي يتم فيها الانتقاء ولازلت لا أفهمها كما انني لا اريد ان اصدق ما يقال في مثل هذه الوضعيات بأنك ان كنت مسنودا من جهات معينة فستحظى بالمنصب.
الرؤية الاستراتيجية التي ترغب الوزارة تحقيقها تتطلب ايضا رؤية استراتيجية لاختيار الاشخاص القادرين على تحقيق الاهداف الاستراتيجية في المنظومة التربوية.ولا اظن ان البقية التي تم الاستغناء عنها ليست جديرة بالمنصب او تقل خبرة عن الذين تم اختيارهم والغريب في الامر ان المرفوضين يشكلون الاغلبية .ان مثل هذه المناصب تستدعي النظر في كل الملفات والمرور مباشرة الى عملية المقابلة الشخصية دون اقصاء ما دام ان الامر يتعلق بمنصب هام جدا. والذي يتطلب تفعيل مبدأ تكافؤ الفرص والشفافية والمصداقية.اذ لا يعقل ان يقصى ازيد من 300 شخص وكأنهم كلهم دون المستوى المطلوب كما أنه لم يتم اخبار اي واحد منهم عن سبب الاقصاء. ان المعايير التي تعتمدها الوزارة في الانتقاء لا تزال غامضة وغير مفهومة ذلك لان الطرف الذي يتحكم في العملية هو نفسه القاضي والمحامي وليس هناك طرف اخر محايد يمثل كل الشركاء والفاعلين في المنظومة التعليمية يشارك في عملية الانتقاء. وفي هذا السياق لا بد من التذكير بمضامين الخطاب الملكي ل20 غشت 2013 و2014 و2015 وخاصة عندما قال:
"لذا، فإنه لا ينبغي إقحام القطاع التربوي في الإطار السياسي المحض، ولا أن يخضع تدبيره للمزايدات أو الصراعات السياسوية. بل يجب وضعه في إطاره الاجتماعي والاقتصادي والثقافي، غايته تكوين وتأهيل الموارد البشرية، للاندماج في دينامية التنمية، وذلك من خلال اعتماد نظام تربوي ناجع".(الخطاب الملكي.20 غشت 2013)
ما المعايير التي تمت برمجتها للانتقاء؟ هل هناك تنقيط معين لتلك المعايير من قبيل التجربة المهنية أو التجربة الجمعوية او الشواهد أو المناصب او نوعية المشروع المقترح.. وأين مبدأ اللامركزية واللاتمركز وما نصيب الجهوية الموسعة من الأمر. وهل صحيح ما ذكرته بعض المنابر الاعلامية انه تم قبول ترشيح مسؤولين تم إعفاؤهم في فترة سابقة من مهامهم. هل هذا لا يمس من مصداقية العملية برمتها ؟ ولعله من الاجدر التمعن في القرة التالية من الخطاب الملكي:
"فالمهم في هذا المجال، ليس المال أو الجاه، ولا الانتماء الاجتماعي، وإنما هو الضمير الحي الذي يحرك كل واحد منا، وما يتحلى به من غيرة صادقة على وطنه ومصالحه العليا." (الخطاب الملكي.20 غشت 2013)
ان محنة التعليم ستستمر ما دام ان ادارتنا لا تستطيع التخلص من الارث التقليدي في تدبيرها للشأن التربوي و ما دام ان مبدأ التشاركية والحكامة غائب في السياسات التربوية والتعليمية.
"ولضمان النجاح للمنظور الاستراتيجي للإصلاح، فإنه يجب على الجميع تملكه، والانخراط الجاد في تنفيذه. كما ندعو لصياغة هذا الإصلاح في إطار تعاقدي وطني ملزم، من خلال اعتماد قانون – إطار يحدد الرؤية على المدى البعيد، ويضع حدا للدوامة الفارغة لإصلاح الإصلاح، إلى ما لا نهاية." (الخطاب الملكي 20 يوليوز 2015)