لم يكن احد يصدق أن السيد وزير التربية الوطنية سيخرج يوما ليصدر قرارات اعتبرت بالجريئة من قبل بعض الأطراف’من بينها مركزيات نقابية كانت في وقت ما تدافع وتستميت في دفاعها عن المدرسة العمومية التي أضحت تعاني من الوحدة و الضياع بحيث لم يعد احد يحرص على حمايتها والدود عنها ممن يحاولون نهش ما تبقى من جسدها المترهل،هذه القرارات الهادفة كما جاء على لسان السيد الوزير إلى استقرار المنظومة التربوية و التي تعد من بين أولويات الوزارة المعنية بالشأن التعليمي شملت إلغاء بيداغوجيا الإدماج من الثانوي الإعدادي
و الاحتفاظ بها في الابتدائي شريطة توافق الإدارة و الاساتذة على اعتمادها فضلا عن المذكرة 122 المتعلقة بتدبير الزمن المدرسي بالابتدائي و المذكرة 204 المرتبطة بمكون التقويم من دون تقديم إجراءات بديلة تساعد على درء المخاطر المترتبة عن الإلغاء بخاصة ما ستعرفه المؤسسات التعليمية من فوضى في التدبير ستؤثر لامحالة على مردودية التلاميذ و التلميذات من رواد المدرسة العمومية خاصة في زمن لم تعد فيه سلطة تذكر على نظامنا التربوي في ظل الإضرابات المتكررة لنساء و رجال التعليم المطالبين بحقوقهم المشروعة و لو تحققت المكاسب على حساب أبناء و بنات المدرسة العمومية الذين يجدون أنفسهم في كثير من الأحيان في الشارع من دون مدافع عن حقوقهم الأصيلة في التعليم و التعلم . وفي وقت أيضا أصبحت فيه النقابات التعليمية المركزية عاجزة عن التحكم في فروعها المحلية و الجهوية مما جعلها تستجيب لكل التوجهات مخافة انسحاب القواعد عنها ، وفي ظرف انحسرت فيه هيبة الوزارة المعنية مما جعلها في أكثر من مناسبة تتخذ قرارات سرعان ما تتراجع عنها أمام ضغط النقابات الجهوية و المحلية بالرغم من كون أيام الإضراب أضحت أيام راحة مؤدى عنها بالنسبة للبعض يتضح ذلك من خلال عدد الحاضرين في الوقفات الاحتجاجية أمام النيابات و الأكاديميات بالموازاة مع أيام الإضراب أو الذهاب للعمل بالمؤسسات التعليمية الخصوصية من دون حياء أو خجل باستثناء الشرفاء و الشريفات من المناضلين و المناضلات ،بالإضافة إلى عدم تفكير النقابات الداعية إلى الإضرابات في صيغة نضالية مؤثرة لا تحرم الأطفال أبناء المحرومين من حقهم في العلم و المعرفة. فإذا كانت استراتيجية الوزارة من خلال اتخاذها للقرارات السالفة تصب في اتجاه تحقيق الاستقرار للمنظومة التربوية ، فوفقا لبعض البيانات النقابية فلإضرابات لاتزال مستمرة، أما إن كان الأمر مرتبطا بعدم توافق ما تم إلغاؤه مع خصوصيات منظومتنا التربوية فيدفعنا ذلك إلى طرح السؤال التالي : هل يمكن اختزال فشل مشاريع إصلاح المنظومة التربوية في ما هو مرتبط فقط بالجانب البيداغوجي ؟ يمكن التأكيد على أنه لأول مرة في تاريخ إصلاح النظام التعليمي في المغرب يتم تنزيل آلية منهجية بناء على استراتيجية واضحة من حيث التصورات و خطط تنفيذها ووسائل تصريفها ضمن مكونات المنهاج بالرغم مما واكب هذه العملية من اختلالات منذ بدايتها سواء من حيث التكوين أو طريقة صرف الاعتمادات المخصصة أو من حيث التجريب و التعميم ، فأغلب أساتذة و أستاذات التعليم الابتدائي استفادوا من تكوين لمدة خمسة أيام خصصت له اعتمادات مالية ضخمة تقدر بالملايين من الدراهم، لا يهمنا في هذا الصدد طريقة تدبير هذه الاعتمادات لأن الوزارة تتوفر على كافة الوسائل القانونية لمراقبة كيفية صرفها وصرف كل الاعتمادات المخصصة لمشاريع المخطط الاستعجالي مع إحالة كل المتورطين إلى المحاكم في إطار ربط المسؤولية بالمحاسبة، لكن الأهم هو حصول تكوين مستمر لم يسبق في التاريخ أن استفاد منه المدرسون و المدرسات علما من أن من بين الأسباب التي جعلت بعضهم لا يساير أحيانا مضامين المصوغة التكوينية المقترحة هو انقطاعهم عن هذا النوع من التكوين منذ مغادرتهم لمراكز التكوين. إن بيداغوجيا الإدماج أو هكذا سميت ليست خالية من سلبيات لأن كل فعل إنساني لا يخلو من خطأ و لو ادعى الكمال و لأن من الأخطاء يتعلم الناس ،و لعل الحقائق العلمية ماهي إلى سيرورة من التصحيحات المتتالية على حد تعبير باشلار ، كما توجد إمكانيات متعددة لتجاوز هذه السلبيات أو الصعوبات بما يسمح بالاستفادة مما تنطوي عليه من إيجابيات بخاصة و أن الفعل البيداغوجي هو فعل متجدد و وقابل للتطوير و ليس فعلا متسما بالجمود و السكون كما أن مسألة الحكم عن نتائجها أمر سابق لأوانه و أن احتجاج بعض الأطر التعليمية على هذه البيداغوجيا جاء في سياق الاحتجاجات المطلبية ليس إلا . من نافل القول أيضا التأكيد على أن المقاربة بالكفايات أتت في سياق الإصلاحات التربوية الجارية منذ صدور وثيقة الميثاق الوطني للتربية و التكوين الذي صيغ بإجماع وطني فضلا عن مضامين الكتاب الأبيض خصوصا في الجانب المتعلق بتنمية الكفايات ، وتأسيسا على هذا الأخير و بعد تجديد البرامج والمناهج اتضح لجميع الفاعلين التربويين تنوع التصورات و تعدد الكيفيات التي تمت بها مقاربة مفهوم الكفايات سواء على مستوى الدلالات الاصطلاحية أو من حيث تصريفها على مستوى المنهاج ، فأضحى من الطبيعي التفكير في آلية منهجية واضحة تيسر إمكانية توحيد المفاهيم و تسمح بالتالي تدبير مقاطع المنهاج وفق المقاربة بالكفايات في مختلف مراحل الفعل التربوي بدء من التخطيط و مرورا بالتنفيذ و انتهاء بالتقويم ، ضمن هذا السياق يأتي العمل بما اصطلح عليه ببيداغوجيا الإدماج وإن كنت أوثر تسميتها بالتقويم وفق المقاربة بالكفايات لأن أهم مكون ضمن هذه البيداغوجا المفتقدة في اعتقادي لجهاز مفاهيمي خاص بها يرتبط بتقويم المركب بمعايير و مؤشرات واضحة . لا أحد ينكر أن لهذه الآلية المنهجية كما أشرت صعوبات تم الكشف عنها في بداية التنزيل و يمكن إيجاز بعضها في : كثرة الوضعيات التي تقدم خلال أسبوعي الإدماج إحساس الأطر التربوية بإثقال كاهلها بمزيد من المهام المرتبطة بتدبير هذه الوضعيات بخاصة في مرحلتي التحقق و التصحيح مع ما يتطلبه ذلك من تعبئة للشبكات و تصنيف للمتعلمين بالإضافة إلى عدم كفاية حصص المعالجة المقترحة لكل وضعية افتقار المتعلمين للموارد الكافية التي يتطلبها حل وضعية إدماجية غياب استراتيجية واضحة في التعامل مع الأقسام متعددة المستويات خلال أسبوعي الإدماج تخوف الأطر التربوية من تحمل المسؤولية كلما وجد المتعلمون و المتعلمات صعوبة في التعامل مع الوضعيات الإدماجية خصوصا وأن فئة مهمة منهم ممن يتابعون دراستهم بالمستويات الثاني و الثالث و الرابع غير متمكنين من القراءة و الحساب . إن مثل هذه الصعوبات و غيرها لا تمثل سوى جوانب بسيطة لا ترقى إلى مستوى العوائق التي تحول دون اعتماد جوهر هذه الآلية المنهجية ، وهي قابلة للتعديل و التطوير كلما أعطيت الفرصة للمهتمين من الأطر المغربية لإيجاد صيغ مناسبة تتجاوز السلبيات و تأخذ بالإيجابيات ،ونحن على استعداد للقيام بكل المبادرات الرامية إلى تجويد المنتوج التربوي في إطار جوهر هذه البيداغوجيا بكيفية تشاركية من دون إقصاء أو تهميش ، ومع كامل احترامنا لمختلف القرارات المتخذة فلم تكن هنالك دواع موضوعية لإلغاء بيداغوجيا الإدماج من الابتدائي بخاصة ونحن على مشارف انتهاء السنة الدراسية مما جعل أغلب الأساتذة و الأستاذات يتساءلون عما ينبغي القيام به خلال أسابيع الإدماج في المرحلتين الثالثة و الرابعة الشيء الذي وضع أغلب المفتشين التربويين في حيرة من أمرهم بعد أن استبعدوا من التشاور في اعتماد هذه البيداغوجيا أو عدم اعتمادها ،العمل بالمذكرة 122 أو عدم العمل بها، إنها بكل اختصار الفوضى التربوية ، فوضى خلاقة أم هدامة ذاك ما ستجيب عنه الأيام القادمة. إن استقرار المنظومة التربوية شرط لازم لتحصين المدرسة العمومية و الارتقاء بأدائها ، لكن تحقيق هذا الاستقرار يتطلب من الجميع التحلي بالشجاعة و الجرأة الكافيتين في مقاربة مختلف عناصر بنية هذه المنظومة مع التركيز على العنصر البشري باعتباره ضامن هذا الاستقرار المطلوب ، ومن ثمة فلا مناص من العمل على معالجة كافة الملفات العالقة بكيفية موضوعية تنأى عن المصالح الشخصية الضيقة و تدفع نحو تطوير المنظومة التربوية بما يساهم في تحقيق التنمية المجتمعية في كل أبعادها الإنسانية من خلال حزمة من الإجراءات الفورية نقترح منها على سبيل المثال لا الحصر: ربط المسؤولية بالمحاسبة إقرار نظام أساسي عادل ومنصف لمختلف الفئات بما يؤمن فرص الاستقرار للمنظومة . وضع آليات للافتحاص المنتظم لمختلف المؤسسات المعنية بالشأن التعليمي مديريات مركزية ، أكاديميات ، نيابات / مؤسسات تعليمية . ربط الترقية بالمردودية و الإنتاجية مع إيلاء أهمية قصوى للشواهد و الديبلومات المهنية. وضع معايير واضحة و شفافة في إسناد المناصب و تحمل المسؤولية بناء على الكفاءة و المسؤولية . منح الاستقلالية اللازمة لهيأة التفتيش التربوي حتى تتمكن من تتبع تنفيذ مختلف البرامج و المشاريع التربوية و تقييمها بكيفية موضوعية غير خاضعة لتأثير السلطة الإدارية المكلفة بالتنفيذ. إعادة النظر في هيكلة الوزارة المعنية مع تقليص عدد المديريات المركزية بما يضمن إمكانية النسيق فيما بينها . وغيرها من الإجراءات التي من شأنها رد الاعتبار للمدرسة العمومية التي لم تعد تحتمل المزيد من التراجع و الانحدار بعد كل هذه الإخفاقات المتتالية ، فهل من منقذ في ظل هذه الفوضى التربوية؟