بقلم محسن زردان
ازدادت القناعة الراسخة في المغرب بضرورة تبني سياسة اللامركزية واللاتركيز حتى يتسنى إشراك كل الفاعلين في الحقل التربوي لتحمل المسؤولية، وكذا السير قدما بغية التهيؤ التدريجي في أفق إرساء مشروع الجهوية الموسعة، حيث أن التدبير الحديث يصبو إلى تجسيد إدارة القرب لتسهيل وتيسير مأمورية المرتفقين وتبسيط المساطر والاجراءات وتقريب الخدمة العمومية.
إننا لا نزعم الإحاطة الشاملة لتقييم تجربة من هذا الحجم بقدر ما تتملكنا الرغبة الجادة في إبداء أفكار وأراء وملاحظات عساها تغني النقاش بخصوص هذا الموضوع، وتفتح زاوية للتفكير والتأمل.
الوزارة الوصية انخرطت في عملية تفويض الاختصاصات على مراحل عدة، ابتدأت سواء قبل أوبعد وضع الميثاق الوطني للتربية والتكوين، مرورا بإرساء القانون رقم 07,00 المتعلق بإحداث الأكاديميات الجهوية للتربية والتكوين ( الصادر بتنفيذه ظهير 19 ماي 2000)، وصولا إلى مجموعة من المراسيم والقوانين والقرارات التي تمكن المصالح الخارجية للوزارة من تفويض الإمضاء والاختصاص.
ما يجب الانتباه إليه بعمق، هو أن عملية التفويض تسير بمنطقين، منطق العمليات الكبرى، ومنطق العمليات الصغرى، فتفويض الاختصاص يتضمن فقط العمليات الصغرى من قبيل الشواهد والتراخيص، في حين أن تفويض الإمضاء يشمل العمليات الكبرى أو ذات الوزن الثقيل من حيث حجم المسؤولية والتداعيات، كالتعيين والإعفاء والترقية والانقطاع عن العمل وغيرها، وهو فصل يُفهم من ورائه أن الوزارة الوصية تريد أن تحافظ على مكانتها كالحارسة والقابضة بيد من حديد والعين التي لا تنام على أغلب الاختصاصات المهمة، وهو توجه قد يجد تبريره في أن منطق التدرج يتطلب السير ببطء وحذر مع الملاحظة وتقييم هذه التجربة الجنينية ومصاحبتها حتى يتم تأهيل الموارد البشرية بشكل كاف، علما أنه يتم تسجيل نقص حاد في الأطر المؤهلة لممارسة التدبير الإداري، خصوصا أن الأرقام تشير إلى أن خريطة مواقع المسؤولية للمصالح الخارجية للوزارة تفيد أن أكثر من 90 في المائة من المناصب تتوزع بين أطر المراقبة والتأطير التربوي وأطر التوجيه والتخطيط التربوي والأساتذة الذين تمرسوا على العمل الإداري بحكم الممارسة والاجتهاد، وقد انتبهت الوزارة متأخرة لهذه المسألة بالشروع في تنزيل أول تجربة خلال هذه السنة بتكوين وإعداد أطر الإدارة التربوية بالمراكز الجهوية لمهن التربية والتكوين، على الرغم من أن طبيعة تكوين هذه الفئة فيها من المفارقات ما يسائل الجميع ، لكونها تتلقى تكوينا إداريا على ما يبدو من طرف أساتذة مكونين تربويين في غالبيتهم لا علاقة لهم بالتدبير الإداري لا من قريب ولا من بعيد.
في مقاربتنا التقييمية لتجربة تفويض الإمضاء وكذا الاختصاص في مجال الموارد البشرية بالنسبة للأكاديميات والنيابات، نرى أن وتيرة التفويض من الأكاديميات إلى النيابات تختلف من أكاديمية لأخرى، فهناك أكاديميات فوضت أغلب الاختصاصات للنيابات، وهناك أخرى مازالت تحتفظ بنسبة كبيرة منها ولم تفوض إلا بعضها، إضافة إلى وجود أخرى تفوض جزءا منها تم لا تتوانى عن سحب التفويض إن دعت الضرورة لذلك نظرا لاختلاف الرؤى والزوايا التقديرية لمسؤولي الأكاديميات.
من الصعب الحديث عن تدبير الموارد البشرية دون التطرق لبرنامج منظومة مسير، لكونه آلية مهمة وداعمة لإنجاح عملية تفويض الاختصاص، خاصة وأنه يراهن على مشروع الإدارة الرقمية المرتكزة على التدبير الالكتروني في مقابل التدبير الورقي، خاصة أن مفتاح التمكن من تدبير الوضعيات الإدارية يتجلى في التحكم المعلومياتي، وهو برنامج طموح ويعتبر تحديا مستقبليا بامتياز، لكنه مازال يصطدم بعقلية مقاومة التغيير والحاجة الماسة إلى كفاءات نوعية لإنجاحه.
في التعاطي مع تجربة تفويض الامضاء والاختصاص في تدبير الموارد البشرية ، يمكن أن نلامس جانب تقييم هذه التجربة من خلال نقط القوة ونقط الضعف وهي كالآتي:
- تفويض الإمضاء والاختصاص للأكاديميات والنيابات في ميدان الموارد البشرية مَكن من تقريب الخدمة العمومية للمواطنين.
- التأهيل التدريجي للأطر المؤهلة لمراكمة التجربة والتكوين في مختلف العمليات المرتبطة بتدبير الموارد البشرية.
- التشجيع على المبادرة في صنع القرار.
- التفكير في إعادة النظر في هيكلة مصالح الموارد البشرية جهويا وإقليميا .
- إحداث المجلس الإداري ذو الطابع التقريري والتركيبة المتنوعة المجسدة لمبادئ التشارك والإشراك والديمقراطية.
- إشراف الأكاديمية على إسناد مناصب الإدارة التربوية.
- هيكلة إدارية لا تتماشى مع المساطر المفوضة.
- التأخر في تحيين الوضعيات الإدارية.
- نقص في الموارد البشرية المؤهلة.
- الانشغال بالتدبير اليومي والموسمي دون التركيز على التدبير الاستشرافي.
- غموض العلاقة بين الأكاديمية ومصالحها الخارجية.
- مصاحبة المصالح المركزية لعملية التفويض للفرق الجهوية والإقليمية غير كافية.
- على الصعيد المعلومياتي يسجل ضعف صبيب الأنترنت وكذا البطء الملحوظ اثناء العمل على البرانم المرتبطة بتدبير الوضعيات الادارية خلال فترات الحركات الانتقالية.
- اختفاء الأكاديميات بأطرها في التقسيم الجهوي الجديد، فيصبح معه التدبير الإداري خاضعا للتدبير السياسي لا أقل ولا أكثر.
على الرغم من الصعوبات التي تواجهها هذه التجربة، فإنها تبقى رائدة وجد متقدمة إذا ما قورنت بباقي القطاعات الحكومية، مما يشجع الجميع على المضي قدما لبذل المزيد من المجهود لإنجاحها، إلا أن ذلك لا يخفي القول بأن هناك رؤية استباقية لتصدير المشاكل والاحتجاجات والتخفيف منها بنسب أقل إلى باقي الجهات، حيث هناك تزايد لنوع من الانزعاج بتجمهر فئات عريضة من الموظفين بشكل مستمر على أبواب الوزارة الوصية ومصالحها بالرباط، سواء للمطالبة بحل مشاكلها الإدارية أو لرفع مطالبها النقابية.