قبل الحديث عن الفن التشكيلي في علاقته بتفعيــل وتنشيــــط أدوار الحياة المدرسيـــة ، أرى أنه من المفيد جدا تقديم مجموعة من المعلومات ،منها ما يتعلق بتحديد التسمية من حيث تداول المصطحات ذات الصلة بالموضوع مع ابراز أنواع مدارس الفنون التشكيلية بشكل مقتضب.
تعريف الفن التشكيلي : هو كـل شيء يؤخذ من الواقــع ويصاغ بصياغة جديدة (أي يشكل تشكيلاً جديـداً) ، وهـذا ما يطلـق عليه اصطلاحا (التشكيل(، والتشكيلي: هو الفنان الذي يقوم بصياغة الأشكال صياغة فنية جديدة تختلف حسب المنظور أو المنهاج الفني الذي يتبناه وحسب المدرسة الفنية التي يتفاعل معها.
ولا بأس في أن نلق نظرة على بعض مدارس الفن التشكيلي،من بينها:
1- المدرسة الواقعية: وتهتم بنقل أو محاكاة كل ما تراه العين من مناظر طبيعية وحالات من الواقع نقلا طبق الأصل، وقد تتدخل عواطف وأحاسيس الفنان في رصد هذه الأعمال فينتج عن ذلك نوعان من الواقعية : "واقعية رمزية وواقعية تعبيرية."
2- المدرسة التجريدية: وتقوم فلسفتها على اختزال الشكل وتشكيل الفكرة بالألوان بدون توضيح الخطوط.
3- المدرسة الانطباعية: وهي مدرسة للفن التشكيلي اتسم روادها بنوع من التجديد من خلال الابتعاد عن رسم الصور الواقعية، والاعتماد في ابداعاتهم الفنية على الضوء وضربات الفرشاة القوية واستعمال الألوان الزاهية.
4- التكعيبية: ترتكز على استعمال الألوان القوية والمتناقضة والخطوط الحادة في الرسم وتصوير المشاعر والحالات النفسية.
5- السريالية : رسـم وتشكيل ما يصـوّره العقـل البـاطن للـرســام بتكوينات تشبه الأحلام، وفي معظمها تكون صور مشوهة ومبالغ فيها.
6- المدرسة الوحشية: ترتكز على المبالغة في استعمال اللون دون التقيد باللون الأساسي للشيء، وتذهب إلى التركيز على جوهر الفكرة أو الشكل.
7- البورتريه: ويعتمد على رسم الأشخاص والطيور والحيوانات وذوات الأشياءعن طريق النقل الكلي أو الجزئي.
ومن هنا نخلص الى أنه عندما نريد التحدث عن الفن التشكيلي في علاقته الوطيدة بسبل تفعيل أدوار الحياة المدرسية ، ينبغي أن نستحضر الى جانب ذلك مدى تمكّن الأستاذ من الجانبين النظري والتطبيقي اللذين يكتسبهما من خلال التجربة والممارسة الميدانية ومن خلال التكوين الأكاديمي الذي يتلقاه في مراكز أو معاهد التكوين المحلية أوالأجنبية ،مما يجعله لامحالة منبعا خصبا ينتهل منه التلاميذ من خلال المادة المدرّسة بالفصل ومن خلال الأنشطة الفنية المنجزة على صعيد الأندية التربوية بالمؤسسة التي يؤطرها أستاذ مادة الفنون التشكيلية، لكن هذا لا يكفي ان لم يقم الاستاذ بانجاز تشخيص موضوعي لميولات المتعلمين الفنية في مجال التشكيل الفني ، ومن جهة أخرى ينبغي على الأستاذ أن يجد صيغا جديدة لتمكين المتعلمين من استعمال وتوظيف الفن التشكيلي كوسيلة ناجعة وفعالة للتعبيرعن همومهم وانشغالاتهم الفردية والجماعية ،وتحديد انتظارا تهم من المجتمع والمدرسة، واحداث تغيير اجابي في سلوكاتهم الفردية والجماعية داخل الوسط المدرسي وخارجه. ومن خلال هذا التشخيص الموضوعي ، يمكننا الوقوف على مجموعة من السلوكات التي تحتاج الى معالجة وتصحيح عن طريق توظيف الفن التشكيلي كأداة للتقويم ووسيلة ناجعة للتصحيح العلاجي ، ونحن الآن عندما نمر بجوار بعض المؤسسات التعليمية نجد أسوارها الخارجية ممتلئةعن آخرها بالكتابات والرسومات والرموز التي تشوه واجهة هذا المرفق التربوي ،الذي من المفروض بل من الواجب أن نعتني بجماليته ونظافته ونحرص على صيانته باستمرار .
ولمعالجة هذه الظاهرة السلبية أقترح على منشطي أندية الفنون التشكيلية القيام بتجربة تنطلق من محاولة الاجابة عن السؤال التالي:
- كيف يمكن أن نحد من ظاهرة تلطيخ الجدران بالكتابة والرسومات المشوهة لواجهات المؤسسات التعليمية؟
وللاجابة عن هذا السؤال يمكن لأستاذ مادة الفنون التشكيلية أن يقوم بالخطوات التالية:
1- تشكيل فريق عمل يضم التلاميذ الموهوبين والمتفوقين في المادة.
2- تأسيس نادي الفنون التشكيلية بالمؤسسة.
3- اعداد استمارة توزع على التلاميذ بهدف اجراء تشخيص ميداني يعنى قسط منه بجاذبية المؤسسة وجمالية فضائها الداخلي والخارجي.
4- تنظيم تظاهرة فنية في الفن التشكيلي والتركيز على التلاميذ الذي افرزتهم عملية التشخيص .
5- تخصيص فضائين مختلفين للقيام بالتجربة الفنية.
الفضاء الأول: حجرة فارغة.
الفضاء الثاني: جدار الواجهة الخارجية للمؤسسة.
العمليات التي ينبغي انجازها :
1- يشكل الأستاذ المشرف على التجربة مجموعتين من التلاميذ تضم المجموعة الأولى عينة من التلاميذ الذين ضبطوا وهم يكتبون على الجدران أو الطاولات بهدف تلطيخها، فيطلب منهم الولوج الى حجرة فارغة (تخصص لانجاز مراحل هذه التجربة )،ويضع رهن اشارتهم مجموعة من وسائل الرسم والكتابة وأشياء أخرى يمكن استعمالها(كقطعة من الفحم مثلا) الى جانب مواد الصباغة والأقلام اللبدية وأحجام مختلفة من فرشاة الصباغة، ويطالبهم في مرحلة أولى باستعمال ما يختارونه من تلقاء أنفسهم من بين هذه الوسائل للتعبير عن السخط أو الكراهية التي قد يشعرون بها في لحظة الغضب أو القلق الشديد تجاه موقف سيّء تعرضوا له في حياتهم الشخصية بالوسط المدرسي، ويتركهم الأستاذ لمدة زمنية لا تتجاوز (45 د)،على أساس أن يعود بعد ذلك ليرى النتيجة التي توصلوا اليها.
في المرحلة الموالية يطلب الأستاذ من التلاميذ المنخرطين في نادي الرسم والفنون التشكيلية بالمؤسسة الى ابداء ملاحظاتهم وارتساماتهم حول ما أنجزه تلاميذ المجموعة الأولى ثم يطلب منهم تحويل تلك الكتابات والرسومات الى أعمال فنية ابداعية يكون منطلقها وقاعدتها الأساسية ما أنجزته المجموعة الأولى، وذلك بانجاز لوحات تشكيلية فوق تلك الكتابات والرسومات التي أنجزها أعضاء المجموعة السابقة معبرين في ذلك عن رضاهم وسعادتهم وتفاؤلهم بنتائج تحصيلهم الدراسي ، ويمنحهم مدّة ( 45 د) كفترة للإنجاز.
يعود بعد ذلك الأستاذ رفقه أعضاء المجموعة الأولى لملاحظة نتائج أشغال زملائهم أعضاء المجموعة الثانية ، ثم يفتح باب الحوار والنقاش ليقف عن عمل المجموعتين وتقييم نتائج التجربة ، لتعرض مختلف مراحلها (التي ينبغي أن توثق عبر شريط فيديو) على جميع تلاميذ المؤسسة لتحسيسهم بضرورة العناية بجمالية فضاء مؤسستهم،ويعلن في نفس السياق عن انطلاق مسابقة محلية في الفن التشكيلي تخصص لتزيين الجدار الخارجي ،يشارك فيها أعضاء كلتا المجموعتين مع فسح مجال المشاركة لباقي التلاميذ للمشاركة في هذه التظاهرة الفنية على أساس ألأّ يتجاوز مجموعهم 20 تلميذا يؤطرهم الأستاذ المشرف على نادي الفنون التشكيلية.
هذه التجربة يمكن أن تكون خطوة ايجابية لتفعيل أدوار الحياة المدرسية من خلال أنشطة النادي التربوي الذي يعنى بالفنون التشكيلية. ربما تليها تجارب أخرى تؤسس لهذا الفن الابداعي بالمجتمع المدرسي ،وتجعله وسيلة لبت روح العمل التطوعي وتنمية الاحساس بعمل الفريق المنسجم والمتناغم هدفه الوحيد تسخير الابداع والفن التشكيلي للعناية بجمالية الفضاءات المدرسية التي تتطلب تظافر الجهود لمنحها المظهراللائق بها باعتبارها مرفقا عموميا يسدي خدمات جليلة لأبناء هذا الوطن ومجالا للتربية على قيم المواطنة وتقدير روح المسؤولية واحترام الواجب.
عبدالسلام وطاش رئيس مصلحةالشؤون التربوية بنيابة أكادير