إعداد: حميد حفي،// متخصص في التربية الخاصة
إن الهدف من هذا المقال، الثلاثي الأجزاء، أن يدق باب النقاش حول ورش وطني مافتئ أصحاب القرار تحاشي التأسيس له؛ ويتعلق الأمر بشريحة هامة من الأطفال، هم في وضعية إعاقة، في لائحة انتظار طويلة لولوج المدرسة، وبشريحة أخرى من التلاميذ ذوي الاحتياجات الخاصة؛ الذين ولجوا المدرسة، ويتواجدون الآن في مسارات تعليمية مختلفة، ويعانون الغربة والإحباط؛ داخل مدرسة لا تعترف إلا بالأصحاء كما تشترط المدينة الفاضلة لأفلاطون. وقد راكمت بلادنا من النصوص القانونية والتشريعية والتنظيمية ما يكفي لولوج هذه الفئة إلى التربية والتعليم دون تحفظ، وللاحتفاظ بها في كل المسارات التعليمية، فما هو واقع تمدرس التلاميذ ذوي الاحتياجات الخاصة في مدرسة اليوم؟ وماهي منتظراتنا لهذه الفئة في المدرسة الجديدة، مدرسة مواطن الغد؟
I- واقع تمدرس الأطفال في وضعية إعاقة
نشأ الدمج المدرسي بالمغرب وتطور على أعقاب نصوص تشريعية ومذكرات تنظيمية انطلقت منذ ثمانينيات القرن الماضي، أعطت فرصة لتمدرس الأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة، بالمدرسة العمومية. ومع أن هذه النصوص لم تفرض على المدرسة استقبال هذه الفئة من المجتمع، فإنها تقرن تمدرس ذوي الإعاقة بقطاع التربية الوطنية دون سواه، ولم تلق المسؤولية على قطاعات حكومية أخرى. وعلى الرغم من أن المبادئ والاستثناءات التي تحددها هذه النصوص جذابة ومقبولة من لدن الفاعلين، إلا أن هؤلاء الأخيرين، من أساتذة ومتخصصين وأمهات وآباء، لا يخفون امتعاضهم من الهوة السحيقة التي تفصل هذه النصوص عن الواقع الحالي. ناهيك عما لديهم من مؤاخذات من قبيل عدم دقة أهدافها وعدم تحديد آليات الاشتغال وتدابير التتبع لمراقبة تطبيقها وتطورها.
إن المتتبع لإنجازات وزارة التربية الوطنية، على الأرض، في مجال تمدرس الأطفال في وضعية إعاقة، يقف على شذرات من الإنجازات المحدودة، لا تواكب لوائح الانتظار الطويلة لأطفال لازالت وضعية الإعاقة تشكل لديهم حاجزا دون الحق في التمدرس. ولا يحترق بهذا الواقع الأليم سوى والدي الطفل اللذين يجدان باب المدرسة موصدا في وجههما؛ فبعد صدمة الإعاقة، والطواف من عيادة طبية إلى أخرى، من يفتح لهما الباب من السيدات والسادة؟ هل مديرات ومديري المدرسة؟ أم نائبات ونواب الوزارة؟ أم مديرتي ومديري الأكاديميات الجهوية؟ وهذان الوالدان يستأنفان الطواف أفقيا وعموديا؛ لا يجدان مخاطبا؛ فلا مكتب إقليمي ولا مصلحة ولا مركز جهوي للتوجيه والإرشاد.
هذا الطفل، إذا كان من القلة المحظوظة، يقفز إلى القسم المدمج وهو كسمكة السلمون، تصل إلى آخر بركة لتموت هناك؛ حيث تتوقف الحياة المدرسية؛ فلا تتبع، ولا تأطير، ولا إشراف تربوي، ولا إدراج في مشروع المؤسسة، ولا حضور في حسبان الإدارة التربوية ولا شأنا من شؤونها. ويتعمق جرح الأسرة حين تشرف على القسم المدمج جمعية أشبه بمقاولة ربحية، تجد ضالتها في انسحاب الإدارة التربوية؛ فلا حسيب ولا رقيب ولا حكامة تربوية. أما الجمعيات الجادة في هذا المجال فلم تجد في الوزارة شريكا في المستوى المطلوب. وتجارب قائمة للقسم المدمج قد تعصف بها رياح مزاجية لمسؤولين إقليميين، دون مراعاة لحرمة المستفيدين من الأطفال أو مبالاة بالتكلفة المادية التي أنفقتها المبادرة الوطنية. ومذكرات وزارية، ترد من الإدارة المركزية، تأخذ طريقها نحو الرفوف الجهوية والإقليمية والمؤسساتية دون تفعيل: مذكرة تصدرها الوزارة في شهر سبتمبر والثانية في شهر أبريل من كل سنة؛ بشكل نمطي وتكراري. أما مذكرة تكييف الامتحانات الإشهادية فلا يستفيد منها إلا نذر قليل من التلاميذ ذوي الحاجة.
أساتذة القسم المدمج يتخبطون في عزلة قاتلة، وتوقفت ترقية معظمهم لأن مفتش المنطقة لا يزورهم، ويعبرون عن حاجتهم الملحة إلى الاهتمام والتكوين. وحاملو شهادة الميتريز من كلية علوم التربية المتخصصون في هذا المجال، الذين أسندت إليهم مديرية الدعم التربوي مهمة التنسيق الإقليمي في جل نيابات المملكة، أهدرتهم الوزارة كمورد بشري متخصص، وأعاقت تسوية وضعيتهم الإدارية والمالية رغم قرارين وزاريين للتسوية، فوجدوا أنفسهم خارج النظام الأساسي، مما جعل مهامهم داخل المنظومة تتعرض للإجهاض رغم استماتتها أمام ركلات البيروقراطيين.
إن التدابير والعمليات التي قامت بها وزارة التربية الوطنية، من أجل تمدرس الأطفال في وضعية إعاقة، ترعرعت في نسق بيروقراطي لم يسمح لها بالنمو ولا بالتطور، الشيء الذي أفقدها الرؤية والبعد الوطني، وكذا التأهيل السوسيو تربوي، في تخلف عن مواكبة التطور السريع للمجتمع المغربي، وهي الآن تجربة تعيش اضطرابا وارتباكا كبيرين.
لم تأخذ وزارة التربية الوطنية بالأسباب الموضوعية، أو التدابير العملية، لتطوير تقنيات الإدماج لفائدة الأطفال في وضعية إعاقة بالمدرسة العمومية، الشيء الذي يصعب معه الحديث عن الانتقال من مفهوم الدمج إلى مفهوم المدرسة المندمجة أو الشاملة، التي تلبي الحاجيات التعليمية لجميع التلاميذ. والسبب هو أن السياسة العامة لم تعمل على تغيير وجهة النظر المتعلقة بمكانة الأطفال ذوي الإعاقة في المدرسة، هذه النظرة لا زالت تهيمن على كثير من أصحاب القرار في سياستنا التعليمية.
( يتبع )