د .حميد ضحاك
إن وعي الأنظمة التقليدية والحديثة بقيمة الرأسمال البشري جعلها توليه الاهتمام البالغ لكونه الأداة الناجعة في تحقيق التقدم المجتمعي ومسايرة تحولاته القيمية والثقافية والاقتصادية...
وإذا كان واقع حال المنظومة التربوية بالمغرب يشي بالكثير من الأعطاب والاختلالات البنيوية فإنه يمكن القول بكثير من الوثوق-أن هناك فشل في تدبير وتنزيل مشاريع الإصلاح المتوالية.
لا يختلف اثنان حول نتائج تشخيص حال المدرسة المغربية إلا أن الحلول أو المقترحات وإن تعددت وتفرعت فإننا سنختار منها ما هو مرتبط بتثمين العنصر البشري لذلك فقد اخترت لكم المقترحات ذات الصلة بالمدخل الحقيقي للإصلاح وأذكرها كالتالي:
- النهوض بمهمة التدريس ومهننتها وتثمينها وحفز المدرسين وتكوينهم ،وتحسين ظروف عملهم وإعادة الاعتبار اللازم لسلطتهم التربوية.(1)
- أما الأمر الثاني الذي أراه معيقا لكل إصلاح هو الاختلال في تنزيل مفهوم الحكامة الجيدة" كنمط جديد في التدبير لدعم المسار الديمقراطي وتطويره وإدماجه في بلادنا ،الأمر الذي دعا إلى استنباته بملء إيجابياته وروحه الحداثية في صميم المشهد التربوي"(2)
ومن أعطاب الحكامة الجيدة ،"ضعف الجسور والتناسق بين مختلف مكونات المنظومة"(3).هذا فضلا عن «استمرار التخطيط من الأعلى (الإدارة)نحو الأسفل(المؤسسات التعليمية)دون مراعاة للحاجات والأولويات المحلية والمشاكل الخاصة بكل مؤسسة مدرسية"(4)
انطلاقا من العناصر المشار إليها سالفا فإن شعار "الجودة «باعتباره نقيضا للرداءة. وهو الإتيان بالجديد من القول والفعل(5)، يغيب عن منظومتنا التربوية.
ويقر الدكتور أحمد أوزي بأنه «لا يوجد اتفاق بين الباحثين حول معنى دقيق لهذا المفهوم ولا يوجد مقياس واحد لقياسه شأن الظواهر الإنسانية كلها...لكونه يتأثر بسياق استعماله والحكم عليه يختلف باختلاف الزاوية التي ينظر منها الشخص وحسب هدف حكمه عليه"(6).
إن كل المقترحات السابقة رغم أهميتها بيد أنها لم تحدث الأثر المرجو من ورائها للأسباب التالية:
إن النهوض بالمدرسة العمومية لن يتأتى إلا بتثمينها بشكل حقيقي يتأسس على مسألة إعادة الثقة في المدرس التي فقدت بعد تخطيط ممنهج لضرب مكانة وصورة الملقن الاعتبارية التي كان يتبوؤها في العقل الجمعي المغربي وذلك لما كان يضطلع به من تأطير إيديولوجي وقيمي خلال مرحلة السبعينيات والثمانينيات ،واستمرت هذه الحملة الشرسة إعلاميا وذلك برصد وتتبع هفواته وأخطائه وكأنه نبي معصوم من الخطأ.
وهذا الأمر انعكس سلبا على رؤية المجتمع المغربي إلى المدرسة ذاتها ،وذلك لكونها تنتج أناسا فاشلين رغم حصولهم على الشهادات الجامعية.
أما الأمر الثاني الذي يرتبط بالعنصر السابق فيتعلق بالنظرة الدونية لمنظري التعليم ،الذين يقيمون محاكمات تدين المدرس ويتجلى ذلك جليا في مذكراتهم المنظمة للقطاع. ولا أدل على صحة ما أرى من المذكرة التي تحدد "مسطرة الاستفادة من الرخص لأسباب صحية "،هذه الاخيرة تحدد ميقات وضع الشهادة الطبية بشكل دقيق(يومان في العالم الحضري)و(ثلاثة في العالم القروي)(7).وهذا التحديد يجعل كل شهادة طبية خارج الاجل تعرض صاحبها إلى الاقتطاع مهما كانت الأسباب المانعة من إيصاله. وكذلك الأمر بالنسبة "لمسطرة التغيب دون تبرير" فإن المشرع أكثر صرامة ،فيبدأ بالإنذار ثم إيقاف الأجرة وانتهاء بالعزل.
وبالمقابل عندما يتعلق الأمر بحقوق الموظف فإننا المساطر التنظيمية
أكثر لينا وتراخيا وخير دليل على ذلك "رخصة الرضاعة «التي ينص المشرع فيها بالترخيص للمعنية بالأمر(الأستاذة)بواسطة رسالة توقع من طرف السيد النائب بإرضاع مولودها ...(8).فالمولود قد يحرم من حقه الطبيعي بقوة القانون ،ويبقى وأمه تحت رحمة النائب وحسب مزاجه لأن القانون لم يحدد بنفس الصرامة التي أشرنا إليها أعلاه للمدة التي يجب على النائب الترخيص فيها للتمتع بهذا الحق.
هذه الازدواجية التي تحكم تصور المعنيين بالأمر تجعل منفذ أي إصلاح يحس بالإقصاء والتهميش والغبن غير أن هذا لم يمنعه من أن يساهم بفعالية وبروح وطنية عالية في إنقاذ المدرسة العمومية من الإفلاس عبر تاريخ المغرب المديد.
وتساوقا مع ما سبق فقد حاول واضع القوانين-ربما عن حسن نية-القضاء على ما بقي من سلطة المربي التربوية وكرامته داخل مملكته الصفية وذلك بإصدار مذكرات تجعله عاريا من أية سلطة ،ولا أدل على ذلك من المذكرة المتعلقة ب"القرارات التأديبية المتخذة من طرف مجالس الأقسام" (9)،والتي حددت دورهم في الالتزام بعقوبات بديلة كالبستنة والنظافة مهما كان خرق المتعلم للقوانين الداخلية للمؤسسة بدعوى عدم حرمانه من التعلم .
ونسائل واضع المذكرة هل البستنة عقاب ؟هل هذا العمل الراقي الذي لا يخلو من المتعة والذي يحتاج إلى ذوق ولين يصلح أن يكون عقابا؟.
نعتقد أن الهدف هو القضاء عللا وجود الأستاذ الرمزي في عقول المغاربة من أجل ضرب المدرسة العمومية.
أما "الحكامة الجيدة «داخل الإدارات التعليمية فإنها شبه غائبة لتميز العلاقات البينية بعدم التشاركية فمثلا في بداية شهر ماي صعق موظفو التعليم باقتطاعات من أجورهم دون التزام "بمسطرة الاقتطاع" وفي غياب مشرع يخول للإدارة حق الاقتطاع عن الاضراب ،بل الأنكى من ذلك هو هو عدم إشعار الموظف وهذا يعمق الفجوة بينه وبين منفذ القرارات المتسمة بالشطط والتسلط.
كما أن مفهوم "الجودة" يضيع بتضييع حق الموظف في الانتقال بسبب وجود أخطاء في البيانات المتعلقة به ورغم ذلك لا يتم إصلاحها من طرف المكلفين بذلك ،ناهيك عن التأخر في الحصول على الشواهد الإدارية مثل شهادة العمل التي استغرق الحصول عليها ستة أيام وهي المدة المخصصة للحركة الانتقالية تقريبا لذلك نتساءل عمن يتحمل مسؤولية إهدار هذا الحق دون وجه حق؟
وأخير فإن نقص التأطير والتكوين اللازمان للأستاذ نتيجة غياب-ربما عن قلة-المؤطرين التربويين ينعكس بشكل سلبي على أدائهم وعطائهم داخل الفصل ويضعف مسايرتهم للمستجدات البيداغوجية ونظريات التعلم. ويجب أن لا ينسى من يهمه الأمر أنه أصبح من اللازم إعادة النظر في وضعيتهم المادية والاعتبارية داخل المجتمع .
عود على بدء ،فإن أي إصلاح لا يؤسس على تثمين العنصر البشري سيكون كغيره من المشاريع السابقة التي لم تعرف طريقا إلى التنزيل.
وهذا التثمين يجب أن يتمظهر في ما يلي:
- تحديد الحقوق بنفس الصرامة والدقة التي تحدد بها الواجبات.
- سحب المذكرات التنظيمية التي تضعف وجود الاستاذ داخل الفصل وفي محيط المدرسة.
- العمل على تلميع صورة ومكانة المربي وذلك بالتوسل بنفس الوسائل التي خدشت وشككت في رسالته السامية وقدراته الكبيرة.
- إعادة الثقة في المدرسة العمومية وذلك بفتح آفاق التشغيل وملاءمة التكوين مع سوق الشغل.
- رصد حاجات المعلمين والاستجابة لها بتكوينات جادة بعيدة عن الفلكلورية.
- تحسين أوضاع رجال التعليم المادية.
وخير ما نختم به هذا المقال هو قول الشاعر:
قم للمعلم وفه التبجيل***كاد المعلم أن يكون رسولا
الهوامش:
1- تقرير المجلس الأعلى للتعليم،2008،ص:32.
2- علامات تربوية، ع21، 2007، ص، 43.
3- تقرير المجلس الأعلى للتعليم،2008،ص:12.
4- نفسه.
5- لسان العرب،ابن منظور،مادة جود.
6- جودة التربية وتربية الجودة،أحمد أوزي،مطبعة النجاح الجديدة،2005،ص:35.
7- المذكرة رقم:19الصادرة في :17/3/2004.
8- الفصل20من الظهير الشريف بتاريخ 02 يوليوز 1947.والمذكرة الوزارية بتاريخ 30ماي1962.
9- المذكرة 17أكتوبر 20144، المادة29من المرسوم2.02.376 .
المرجو النقر أسفله للتحميل: