ذ.بدر الدين ناول*
لكل مؤسسة رأسمال بشري يديرها و يدبرها على مدار الزمان ،ولكي ينجح هذا التدبير الذي يحدد مسار النجاح و التقدم داخل منظومة الحياة بشتى أ نواعها بات تحفيز و تشجيع و مكافأة الموارد البشرية و الترفيه عنها مقاربات لا غنى عنها،وبما ان العنصر البشري النشيط يطيق إلى العمل و البذل و القيام بالواجبات الاجتماعية و الراحة و الاستجمام للتحرر من الضغوط النفسية و التعب فإنه في وقتنا الراهن تعددت المهام و كثرت الالتزامات اليومية ومالت النفس إلى السبق نحو الأفضل .
أمام هذه الموجات الكبيرة التي تدور على مدار الساعات و الأيام أصبح الموظف يبحث عن الراحة و الترفيه و الاستجمام خصوصا أيام العطل حتى تتجدد الرغبة في العطاء و تعلو الهمة في العمل، فإذا أخذنا على سبيل المثال نساء و رجال التعليم، فإن هذه الفئة أصبحت أكثر حاجة إلى الاستجمام و الترفيه و ذلك للاعتبارات التالية:
- الضغوطات النفسية اليومية من جراء العمل طيلة السنة داخل قاعات الدروس المكتظة
-التواصل مع المتعلمين الذي أصبح يعرف عوائق كبيرة من جراء الاكتظاظ داخل الفصول الدراسية و يؤثر على النفس و البدن
-الواجبات اليومية
-الواجبات العائلية خاصة المتعلقة بنساء التعليم
فهل يستفيد نساء و رجال التعليم من حقهم في الترقية و الاستجمام خاصة أثناء العطل المدرسية؟ ماهي الاكراهات والمشاكل التي تحول دون ذلك ؟كيف نؤسس لمقاربة يكون مضمونها الاستفادة من خدمات الاستجمام و الترفيه؟
يعتبر الترفيه حق من حقوق الانسان بموجب القوانين الدولية لجمعية حقوق الانسان .فكل إنسان يقوم بعمل ما يميل إلى أخذ قسط من الراحة قصد الاستجمام و الترفيه حتى يعود إلى عمله في أحسن أحواله النفسية.
يزداد الشوق و الرغبة في الراحة و الترفيه و الاستجمام خاصة أثناء العطل المدرسية حيث تكون الظروف المناخية سانحة لكثير من الناس للبحث عن أماكن تطيب فيها النفس و ترضى فيها الخواطر إلا إن هذا غير متاح للجميع:فرجل التعليم كمثال على ذلك لا يكاد يستفيد من حقه في الاستجمام و الترفيه أثناء العطل المدرسية لاعتبارات مادية وأخرى لوجيستيكية مما يضطر معها الكثير إلى بعض المبادرات البسيطة التي قد تمحو الرتابة و التعب بعد موسم دراسي شاق تلتبس فيه المعاناة بالقلق و التعب بالتوثر كالخروج يوميا إلى أقرب
الشواطئ و المنتزهات سواءا وسط المدينة أو بنواحيها:أو الاعتماد على التخييم الجماعي مع ذوي الأقارب و العائلات و لما لا و أسعار الفنادق و المواد الأساسية تزداد ارتفاعا أثناء العطل إلى جانب حاجيات الاصطياف و التخييم التي تكون باهظة الثمن حتى ان البعض أصبح يخصص ميزانية لقضاء عطلة الصيف منذ أواسط الموسم الدراسي أو يلتجأ إلى السلف
إن هذا الواقع يشكل هاجسا كبيرا لنساء و رجال التعليم و أبنائهم الذين يطيقون إلى الاستراحة و الترفيه عن النفس بعد جهد كبير في الدراسة و التحصيل: و الواقع أن مجهودات و مبادرات مؤسسة محمد السادس للنهوض بالأعمال الاجتماعية لنساء و رجال التعليم تبقى محتشمة في ظل غياب إجراءات طموحة و مشجعة.
أنشأت مؤسسة محمد السادس للنهوض بالأعمال الاجتماعية لنساء و رجال التعليم في 30 يوليوز 2000
ومنذ ذلك العهد و ضعت من بين أهدافها الاساسية توفير ما يلزم من خدمات اجتماعية في مجال السكن و التطبيب و الترفيه و التامين ضد الآفات و التقاعد التكميلي و كذا تشجيع و مساعدة الجمعيات المهتمة بمختلف الأنشطة الاجتماعية مثل المخيمات الصيفية و حضانة الأطفال.كما أن المؤسسة ذاتها أنشات في إطار تفعيل مقتضيات الميثاق الوطني للتربية و التكوين الذي ينص: " يتم حفز جميع الأطر التربويةو التدبيرية بالاعتماد على ركائز ثلاثة : تحسين الوضعية الاجتماعية للمدرسين،و الاعتراف باستحقاقاتهم،ومراجعة القوانين المتعلقة بمختلف مراتب موظفي التربية و التكوين" "تقوم سلطات التربية و التكوين ابتداءا من السنة المالية 2001 بتعبئة الموارد و الوسائل اللازمة،بما في ذلك تخصيص نسبة مائوية قارة من ميزانية التسيير، و كذا حشد طاقات التنظيم و التدبير الفعالة ،لتحقيق نهضة فورية و شاملة للأعمال الاجتماعية في قطاع التربية و التكوين ،على امتداد التراب الوطني بإسهام كل الشركاء الاجتماعيين،من خلال إصلاح الهياكل و الأنظمة الاجتماعية القائمة و تفعيلها،أو إحداث هياكل ملائمة و فعالة," المجال الرابع: الموارد البشرية (الدعامة الثالثة عشر)
للأسف الشديد ،لم ترق خدمات هذه المؤسسة الاجتماعية إلى تطلعات الشغيلة التعليمية في مجال الترفيه و الاصطياف اللهم سوى مركزي السعيدية و ازمور و كذا المركب سوسيوترفيهي النرجس المتواجد بالرباط،كما أن التعاقدات التي أبرمتها المؤسسة مع مجموعة من الفنادق الكبرى أو المتوسطة أسفرت عن أسعار تبقى مرتفعة على الرغم من تحفيظها نسبيا و عوض خلق منتجعات ومراكز الاصطياف ذات جودة عالية و بجميع مناطق المملكة تم اللجوء إلى التعاقد مع داخليات بعض مراكز التكوين التربوي و بعض المؤسسات التعليمية ليجد رجل التعليم نفسه مرة أخرى بين أسوار مؤسسة تعليمية بل وداخل قاعة للدروس.
فهل يدل هذا الاجراء على تغيير مناخ بآخر أم بدر الرماد على عيون باتت تقبل بكل شيء؟
إن أية مؤسسة اجتماعية كمؤسسة محمد السادس للنهوض بالأعمال الاجتماعية لنساء و رجال التربية التكوين لتضع استراتيجية للعمل و تقترح برامج و مشاريع نابغة من متطلبات موظفي وزارة التربية الوطنية و التكوين المهني يتم إنجازها على المدى القريب و المتوسط و البعيد حتى يتسنى لمنخرطيها الاعتزاز بالانتماء إليها.
وإذا كان ماقلناه في هذا المقال يعتبر انتقادا لدى البعض-مع العلم على أنه ليس إلا تعبيرا عن واقع معروف لدى الجميع- فإن ذلك من باب الأمانة المهنية ،كما أنه من باب الواجب المهني أن نتقدم ببعض المقترحات اتي من شأنها أن تساعد على الرفع من جودة خدمات المؤسسة على ان يتم تطبيقها بالتدرج على المدى المتوسط :
- الاسراع بتعيين مدير قار للمؤسسة
-تنظيم يوم دراسي وطني حول الأعمال الاجتماعية لموظفي التربية الوطنية و التكوين المهني
-وضع استراتيجية و طنية واضحة المعالم للنهوض بالخدمات الاجتماعية لنساء و رجال التعليم خاصة في ميدان الاصطياف
-وضع برامج واضحة مندمجة و طموحة في هذا المجال تمكن من تحفيز و تشجيع و تطوير منظومة الموارد البشرية حتى يتحقق لها الحق في العطلة و الراحة و الاستجمام
-عقد اتفاقيات مع كبريات الشركات و المكاتب الوطنية قصد المساهمة في بناء مراكز للاصطياف بجودة عالية،أو فتح مراكز هذه الشركات و المكاتب في وجه موظفي وزارة التربية الوطنية
- بناء مراكز اصطيافية بكل جهات المملكة بالتدريج و بطاقة استيعابية كبيرة على غرار بعض المكاتب الوطنية(الكهرباء-الفوسفاط-الماء الصالح للشرب-المطارات-السكك الحديدية...)
- العمل على تخفيض أسعار الفنادق المصنفة بشكل مقبول
-اشراك حقيقي و فعال لموظفي التربية والتكوين و الهيئات النقابية و جمعيات المجتمع المدني في وضع مقترح مشاريع يهم على الخصوص هذا الجانب الاجتماعي المرتبط بالعطل المدرسية عبر قوة اقتراحية تؤدي إلى نتائج ملموسة.
-انجاز استمارات وو ضعها على البوابة الالكترونية لمؤسسة محمد السادس للنهوض بالأعمال الاجتماعية لنساء و رجال التعليم و التي من خلالها تقف هذه الأخيرة على مقترحات و رغبات و حاجيات هذه الفئة.
- الاسراع بالاستجابة للمطالب المتعلقة بالأعمال الاجتماعية المدرجة ضمن اتفاق 26 أبريل 2011 الموقع بين الحكومة و النقابات.
إن كل مورد بشري له طاقته في الانتاج و المردودية ،وحتى نطور هذه الطاقة و نحافظ على ديمومتها لابد من فتح باب التحفيز و التشجيع و توفير الراحة و الاستجمام بالقيام بمبادرات ملموسة و مقبولة أمام الشغيلة التعليمية التي تعتمد في عملها على الجانب النفسي و المعرفي المرتبط بالجهاز العصبي و الذي يثمتل في التفكير و التواصل و التلقين و التعليم،ولكي نحافظ على هذه التمثلات الدقيقة من المنصف ان نعطيها حقها في الراحة و الاستجمام عبر و ضع خطط و برامج في انتظار إجراءات أخرى مماثلة تخص السكن و القروض بدون فوائد و آداك مناسك الحج و العمرة...
إن أجهزة الدولة ٌ تباشر إصلاح نظام ولوج وظيفة التربية و التكوين و تسعى إلى إصلاح نظام التقاعد و عليها ان تقوم بإصلاح مسار موظفي التربية و التكوين المنحصر بين الولوج و التقاعد و المثمتل بالأساس في الخدمات الاجتماعية.
*أستاذ و باحث في التربية و التكوين