أفرجت وزارة التربية الوطنية عن الحركة الانتقالية الخاصة بهيأة التفتيش بمختلف تـخصصاته بعض طول انتظار، حتى ذهب اعتقاد المعنيين بها إلى أن الوزارة تدقق في البيانات والمعطيات تفاديا للأخطاء وتوخيا للملاءمة. لكن خيبة مفتشي اللغة العربية بمختلف الجهات وخصوصا بجهة الشرق واستغرابهم كانا كبيرين لعدة اعتبارات نوجزها في ما يأتي:
تضم جهة الشرق 8 مديريات إقليمية هي وجدة أنكاد، بركان، جرادة، تاوريرت، كرسيف، الناضور، الدريوش، وفكيك، ويوجد بها 8 مفتشين للغة العربية منهم 2 بمديرية الناضور مع وجود مديرية شاغرة هي مديرية شبه شاغرة وهي مديرية وجدة أنكاد التي لا يوجد بها إلا مفتش واحد يتولى في الآن نفسه مهمة التنسيق التخصصي الجهوي، ومديرية جرادة حيث شغر منصب التفتيش الخاص باللغة العربية منذ مطلع الموسم الدراسي السابق 2016-2017 إثر تقاعد المفتش اللغة العربية بالإقليم. وتم الاعتماد في تدبير هذا الخصاص الحاصل في كلا المديريتين على تغطيته من طرف المفتشين المنتمين للجهة بواسطة تكليف من مدير الأكاديمية. والمثير للاستغراب هو أنه باستثناء انتقال مفتش المادة بمديرية فكيك الذي التحق بزوجته بالدار البيضاء لم يستفد أي مفتش من الانتقال في الوقت الذي انصبت الطلبات على المناصب الشاغرة شغورا فعليا يعلمه المفتشون المعنيون بحكم أن عددا منهم يغطي الخصاص المرتبط بها بموجب تكليف جهوي خصوصا مع وجود 30 مفتشا متخرجا من مركز تكوين المفتشين وهو عدد قياسي في تاريخ مركز تكوين المفتشين كان خليقا بتقليص اختلالات خريطة التفتيش وتلبية رغبة بعض المفتشين المشروعة في الانتقال خصوصا وأن بعضهم أمضى 23 سنة في منصبه الحالي.
ولكن، وبعد إعلان الوزارة عن نتيجة تعيين الخريجين الجدد، تبين بالملموس أن تدبير العلميتين عملية الحركة الانتقالية والتعيينات تمت بطريقة غريبة تفتقر إلى الضبط والتدقيق ولم تراع ضوابط واضحة وموضوعية بصورة تشي بكون الوزارة الوصية لا تتوفر، ربما، حتى على خريطة تفتيش ولا على قاعدة بيانات دقيقة ومحينة للوضع الخاص بالتأطير البيداغوجي تسمح برصد الإمكانيات المتاحة وتحديد الحاجيات الى مناصب التأطير والمراقبة البيداغوجية بناء على معايير دقيقة تراعي عدد الأساتذة المؤطرين بفتح الطاء، وشساعة مناطق التفتيش وتعددها. فقد كرست التعيينات الجديدة الاختلال في خريطة التفتيش بدل تصحيح الأخطاء المترتبة عن الحركة الانتقالية والمتجلية في ترك مديريات إقليمية شاغرة في مقابل تمكين مديريات أخرى من فائض في عدد المفتشين. ويكفي أن نضرب مثالا دالا واحدا هو مديرية شفشاون التي لا يتعدى عدد الأساتذة بها 102 أستاذا والتي كانت أصلا تتوفر على 3 مفتشين انتقل أحدهم إلى مديرية الخميسات، في إطار الحركة الانتقالية، رغم انعدام الحاجة إلى مفتش في اللغة العربية بالمديرية الأخيرة لوجود مفتشين، ومع ذلك ستستفيد مديرية شفشاون من تعيين خريجين لينتقل عدد المفتشين بها إلى أربعة بمعدل إشرافي وتأطيري لا يتجاوز 25 أستاذا. يحصل هذا في الوقت الذي تركت فيه مديريات أخرى بدون تأطير بيداغوجي في هذه المادة خصوصا بجهة الشرق مثل مديرية جرادة وبتأطير يعاني من خصاص كبير بكل من مديرية وجدة أنكاد حيث يتجاوز عدد الأساتذة 200، ومديرية إقليم فكيك الذي يتميز بالشساعة وبعد المسافات ما بين مختلف جماعات الإقليم ويؤطر كلا منهما مفتش واحد. وهو أمر ينطبق على باقي مديريات الجهة باستثناء الناضور التي تتوفر على مفتشين.
فما هو إذن المعيار الذي اعتمدته الوزارة في توزيع المفتشين والذي كرس الاختلال والعشوائية؟ ألم يكن من الأجدر تغطية الخصاص الحاصل في عدد المفتشين في بعض الجهات قبل التفكير في توزيع الفائض على مديريات إقليمية لا تعاني من أي خصاص؟ وهل يعقل ان تستفيد مديرية من وجود 4 مفتشين في نفس التخصص في حين تظل مديريات أخرة بدون تأطير بيداغوجي؟ وهل بهذه الطريقة تتحقق الجودة المنشودة التي يتغنى بها المسؤولون المتعاقبون على الوزارة؟ ثم لماذا تتنكب الوزارة للشفافية وتمارس التعتيم على المناصب الشاغرة فاتحة بذلك المجال للريبة والقيل والقال؟ ألا تتحول اللامركزية والجهوية الموسعة إلى مجرد شعارات فارغة إذ تدبر عملية تعيين الخريجين على المستوى المركزي دون مراعاة للحاجيات الحقيقية للأطر التربوية وقد كان ممكنا تفويضها للأكاديميات الجهوية بناء على رصد موضوعي لقواعد البيانات تفاديا للشطط والحيف؟
هذه عينة من التساؤلات التي يطرحها مفتشو الجهة الشرقية ومعهم دون شك جهات أخرى تعاني من اختلال في توزيع أطر التأطير والمراقبة التربوية عمر طويلا وجاءت نتائج الحركة الانتقالية والتعيينات لتزيده تفاقما.
عبد الرحيم كلموني
مفتش اللغة العربية بمديرية تاوريرت
أكاديمية الجهة الشرقية