الأكاديمية الجهوية للتربية والتكوين بالقنيطرة تنظم ندوة في موضوع: أربعون سنة من تدريس اللغة الإنجليز
احتضنت الأكاديمية الجهوية للتربية والتكوين بالقنيطرة يوم الثلاثاء 14-04-2009 ندوة علمية في موضوع: أربعون سنة من تدريس اللغة الإنجليزية. ساهم فيها الأستاذ محفوظ بوعلام مدير الأكاديمية الجهوية، والباحثة الأمريكية جوهان دودي، وترأسها الأستاذ المفتش منسق مادة الإنجليزية. افتتحت أشغال الندوة بكلمة السيد المفتش المنسق بالأكاديمية، والتي رحّب فيها بالمتدخلين، كما بسط السياق الذي يندرج ضمنه هذا العرض، وهو الإسهام في التأريخ التربوي المغربي الذي يحاور التاريخ الاجتماعي والثقافي والسياسي والاقتصادي. ذلك أن منظومة التربية والتكوين تتفاعل مع كل هذه المجالات وتتقاطع معها. كما أشار إلى أن الدلالة من تطارح هذا الموضوع في هذا اللقاء، تكمن في مشاركتنا للمساهمين فيه، التفكير في المسار الذي قطعه درس اللغة الإنجليزية بالتعليم الثانوي التأهيلي، وذلك لأجل الوقوف على عناصر القوة بغية تثمينها ودعمها، وتلمس جوانب القصور بهدف التفكير في سبل تجاوزها وتخطيها....
المداخلة الأولى في هذه الندوة، قدّمها مدير الأكاديمية الجهوية للتربية والتكوين بالقنيطرة الأستاذ محفوظ بوعلام بعنوان: تدريس اللغة الإنجليزية بالمغرب من سنة1968 إلى 2008. وأشار في البداية إلى الأسباب التي تمنح المشروعية للبحث في هذا الموضوع، حيث لخصها في قلة الدراسات والأبحاث التي تكرست للتفكير في التاريخ التربوي المغربي بشكل عام، وتاريخ تدريس اللغة الإنجليزية بشكل خاص. مشيرا إلى أن مرور أربعين سنة على دخول هذه المادة إلى المنهاج التربوي، يجعل هذا المسار الزمني جديرا بالتأمل والتفكير والاستبصار العميق. وهذا ما يستدعي التساؤل عن المتغيرات التي حصلت، وعمّا إذا كان بالإمكان الحديث عن لحظات مميزة في تاريخ تدريس هذه المادة. وفيما يتعلق بالأهداف المتصلة بالتفكير في هذا الموضوع، ذهب الأستاذ بوعلام إلى أنها تكمن في المساهمة في تدوين التاريخ التربوي بالمغرب. والانخراط في إعداد وبلورة ذاكرة موثقة حول تدريس هذه المادة، وما عرفته من تحولات على مستويي الشكل والمضمون. ولا يتعلق الأمر فقط باستكشاف لحظات من الماضي، بقدر مما يتقصد استشراف المستقبل، وذلك بهدف إرساء الأسس التي تجعل منظومة التربية والتكوين ببلادنا قمينة بإكساب المتعلمين المهارات والكفايات التي يتطلبها انخراطهم في العصر، ومواجهتهم لأوضاعه المعقدة والصعبة. في هذا السياق ذهب السيد مدير الأكاديمية إلى أن الوضع الاعتباري لمادة اللغة الإنجليزية تميز بحضورها الوازن ضمن باقي اللغات، خاصة وأنها تمثل نافذة جديدة، من شأنها فتح التلاميذ على عالم مغاير بما فيه من أنساق ثقافية ورؤيات للعالم مختلفة عن التي تشبعوا بها في مجالهم الاجتماعي والثقافي. وبهذا المعنى فاللغة الإنجليزية تمكّن المتعلم من ولوج مداخل الكتابة العلمية والتكنولوجية. فهي ليست مجرد وسيلة للتواصل حول مختلف أبعاد الحياة، وإنما هي كذلك آلته للدخول إلى الحداثة، باعتبارها رؤية وموقفا ومنظورا بصدد الإنسان والعالم. وفيما يخص المقاربات والأشكال الديداكتيكية التي اعتمدت في تدريس اللغة الإنجليزية عبر هذا المسار، ميز المحفوظ بوعلام بين أربع لحظات أساسية هي: 1- الإنشائي/ السمعي(1960) 2- الإنشائي/ الوظيفي(1970) 3- التواصلي(1980) 4- المقاربة بالكفايات(من 1990 إلى الآن) انطلاقا من هذه اللحظات، استخلص الباحث بأن تدريس اللغة الإنجليزية في مراحله المبكرة أي الفترة الممتدة من (1968إلى 1970)، اعتمد كليا على كتاب(textbooks). ذلك أن التوجهات العامة المتعلقة بتدريسها كانت ترمي إلى تعميق استعدادات التلاميذ لاجتياز امتحان البكالوريا، والاستئناس بهذه اللغة عبر تقوية قدراتهم على التعبير الشفوي، أما المضمون الثقافي لهذه اللغة فلم يكن يشدد على الخصوصية المغربية. لكن تدريس الإنجليزية سيشهد حدثا بالغ الدلالة منذ 1978 وحتى التسعينات من القرن الماضي، تمثل في حلول الكتاب المغربي محل كتاب(textbooks). وهكذا سيعرف تدريس هذه المادة توسعا، مكرسا بذلك أهميتها باعتبارها أداة رئيسة لتمكين المتعلمين من ولوج عالم المعرفة الطافح بالفرص والإمكانات. لقد برز هذا التطور ليس فقط في الاستراتيجيات والطرائق الجديدة المعتمدة داخل الفصل الدراسي، وإنما كذلك في تعدد المقررات الدراسية، والتي أرست ثقافة جديدة قوامها التنوع والتعدد والتنافسية. المداخلة الثانية في هذه الندوة كانت للباحثة الأمريكية جوهان دودي في موضوع: التلميذ بوصفه حجر الزاوية في تدريس الإنجليزية. وجوهان دودي من الأسماء الفكرية المعروفة في الولايات المتحدة، ذلك أنها متعددة الاهتمامات، وصاحبة الكثير من المؤلفات، كما أطرت العديد من المشاريع العلمية والتربوية. وهي دارسة متمرسة للرواية النسائية، خاصة أدب الزنوج، وتشتغل بشكل خاص على تجربة الروائية توني موريسون. والفكرة الناظمة لمداخلة جوهان دودي تتركز حول مستوى تقديرنا لاستعدادات الأطفال خلال العمل التدريسي بشكل عام، ودرس الإنجليزية بشكل خاص. واعتمادا على مجموعة من الصور، حاولت أن تبلور تمييزا بين استعدادات تواصلية مختلفة لدى الأطفال. البعض يميل إلى التعبير بالصورة والبعض الآخر ينحو منحى التعبير الشفوي، لكن العمل التدريسي داخل الفصل الدراسي غالبا ما لا يتنبه إلى هذه الفروق، ويرغم الجميع على التواصل وفق استراتيجية واحدة، وهذا ما يمكن أن يؤثر على استقبال تلك المادة من قبل جماعة ما. بهذا المعنى يكون التواصل الناجح بمثابة السبيل الذي يمكن أن يقودنا إلى عوالم المتعلمين، والاستجابة لاحتياجاتهم. لهذا اعتبرت الباحثة هذه العناصر مدخلا للتفكير في الكيفيات التي من خلالها يمكن أن نحمل الشعر إلى كيان المتعلم، بالشكل الذي يسهم في تنمية مداركه وإمكاناته التخييلية. لقد اعتمدت الباحثة استراتيجية حوارية تفاعلية في تقديم مداخلتها، وبدت كما لو أنها تستعيد أجواء الفصل الدراسي في قاعة الندوات بالأكاديمية، وهذا ما خلق مناخا من الديناميكية لدى الحاضرين، خاصة الأساتذة والباحثون المهتمون بتدريس الإنجليزية. يمكننا أن نستخلص بأن أهمية هذه الندوة لا تكمن فقط فيما أرسته من قناعة بضرورة الالتفات إلى التاريخ التربوي، وذلك بهدف رؤية المدرسة المغربية في صورتها الشفافة بعيدا عن أشكال النقد التي طاولتها في واقعها الراهن، وإنما كذلك في تحليل الأبعاد والممارسات المتعلقة بتدريس مادة بعينها، وهي اللغة الإنجليزية. وهذا ما يمكن على الأقل من معرفة أن التدريس ليس مجرد طرائق ومهارات وكفايات يكفي تعلمها لكي يضطلع المرء بأدائه، وإنما هو ممارسة ثقافية بامتياز، تستدعي الاقتراب منها، ومعرفة تقاطعاتها وأشكال تراسلها مع الواقع الإنساني في أبعاده الإديولوجية والتاريخية والنفسية والاجتماعية.