أظن أن كل متتبع للساحة التربوية يشاطرنا الرأي كون هناك انتظار كبير و شغف منقطع النظير لمشروع جدي لإصلاح منظومة التربية و التكوين،الكل يتفاعل مع هذا الحدث وطنيا ومحليا، ويضع الموضوع في عمق التصورات، فنجد المهتمين و الفرقاء الإجتماعيين و جمعيات المجتمع المدني يدلون بآرائهم و يقدمون مقترحات عملية لتجاوز المنعطف،وبالمقابل نتابع سجالا آخر يصدم أحيانا متتبعيه، المتمثل في التذبذب الجلي في التصريحات و المواقف في الخطابات التربوية الرسمية مع وجود صعوبات وأزمة واضحة في ترجمة الأقوال إلى أفعال ،بل حتى في تطبيق المقترحات و النظريات .
الوضع توضحه الصورة النمطية التي يوجد عليها المشهد التعليمي ،المتمثلة في الصراعات التي اندلعت حوله،تجعلنا نقتنع بوجود إكراهات على مستوى تقاطع الخطابات بفعل تنافر التيارات الفكرية .لكن هذا لايمنع من إستمرار الحوارات الوطنية وتبني خلاصاتها بشكل حيادي وواقعي.السياق العام يؤكد أن الأحلام التي تروجها الجهات الرسمية هذه المرة سوف لن تكون وردية، وأن المشاريع المتحدث عنها والتي تقترب نظريا إلى المثالية تعتبر فقط ذرا للرماد في العيون،كونها تتبنى إجراءات و تدابير مبالغ فيها تحت مسميات وألفاظ كبيرة مرتبطة بالحكامة الجيدة ومشتقاتها،لكن ما جدوى تسطير الأهداف دون رصد الإمكانات المادية و البشرية لتطبيق المشاريع فعليا؟.
الأكيد دائما يتم وضع جدولة زمنية لبداية ونهاية الإصلاح، ويصطدم باستحالة تطبيقه و عدم تحقيق أهدافه في مرحلة تقييم النتائج،نظرا لتعارض الخطابات النظرية مع الواقع بمختلف تجلياته ،حتى أصبحنا نتعايش مع مسلسل الإخفاقات المتتالية ونسمع بتواريخ يعاد تأريخها لعدة مرات.
إن ترجمة الأقوال إلى تطبيقات عملية يحتاج إلى دراسة اجتماعية،ثقافية ،واقتصادية حقيقية وقرار سياسي جريء،لأن إصلاح المنظومة التربوية هو ورش من مشروع عام متكامل لا يمكن أن يمثل استثناء وسط مكونات لا تسير بنفس الإيقاع ،وبالتالي لابد أن تكون الوثيرة و الإيقاعات متساوية،فإذا ما أخذنا المشهد التعليمي وفقا لما نراه حاليا في المغرب كبلد سائر في طريق النمو ،فإننا نستغرب لبعض العقليات "التيارات" التي تمارس التضليل و التشويش على كل مبادرة في قطاع يحظى بأهمية قصوى،لأنه لا يعقل أن يشكل الحقل التربوي نشازا في عدم الاستجابة لانتظارات كافة المتدخلين، وننتظر الآخر"الأجنبي" أن يعطينا الضوء الأخضر لكي نعتمد نماذجه في بيئتنا المختلفة تماما عنه.
أحيانا يقف العقل مشدوها من كثرة النظريات و المقاربات ،لكن القرار السياسي غير جاهز لتبني كل هذه المقترحات التربوية، حتى وإن حدث ذلك يكون بشكل غير مدروس،لأن المسألة تحتاج إلى تهيئة الشروط السالف ذكرها.إن الاشتغال على المشاريع التربوية الكبرى يجب أن يكون مميزا وذا قيمة مضافة لا أن يصبح رقما يضاف إلى المعادلات السياسية الإنتخابية ،لأن تبني أفكار وتوصيات تنطلق من الواقع المحلي و الجهوي وفق الخصوصيات المغربية المتنوعة ،يفرض العمل بالنموذج التربوي المغربي، وليس اعتماد تجارب دول أخرى لها خصوصياتها المختلفة.
إن الاهتمام المتزايد بالجانب التربوي والاجتماعي لنساء ورجال التربية و التكوين، لمن شأنه أن يشكل ضغطا قويا على القرارات السياسية ،لإحداث طفرة نوعية لتجاوز المقاربات العقيمة. المسالة بديهية،ما نلاحظه اليوم يؤكد أن المنظومة التربوية مستهدفة والفاعلون التربويون يكادون يهجرون ميادينهم ،لأن صناعة الرأي التربوي العام أصبح لايحصن الذات و الهوية،ونحن نحتاج إلى تحصين المشروع التربوي بإضفاء الشفافية والديمقراطية في التنزيل ،لضمان الاستقرار التربوي ،لكن هناك تردد غير مفهوم في بعض الأحيان سببه التوجس من هذا القطاع الشائك .
مهما كانت المبررات، نقول إن الأفكار التي روجت ولم تترجم مضامينها في الواقع أضحت نظريات متجاوزة،انتفضت ضدها جيوش المتظاهرين في الشوارع العامة للبلاد مطالبة بتغييرها، أليس كثرة الاحتجاجات دليل على تأزم الوضع؟ نحن نريد أن ننتقل إلى حياة تربوية تفسح المجال للجميع دون إقصاء أو تمييز، لقد أصبح الوضع مخجلا ومؤشر الثقة في السياسات التربوية ينحدر إلى اللون الرمادي...لهذا يجب علينا أن نساهم كل من موقعه لإعادة الاعتبار للنموذج الوطني الرائد بتعدد ثقافاته لكي نواكب الحداثة التربوية المنشودة.
حميد الهويتي | بوعرفة