ماذا لو فقد والدا أحد التلاميذ عملهما، أو واجها صعوبة في السكن، أو تأدية مصاريف الماء والكهرباء، أو العجز عن دفع أداء ثمن تدريس ابنهما في إحدى المدارس الخاصة، أو عدم التمكن من توفير واجبات التنقل عبر حافلات النقل المدرسي، هل سيكون مصير التلميذ الطرد من المدرسة ؟ أم سيجد التلميذ نفسه في الشارع كضحية من ضحايا الهدر المدرسي أم ماذا؟
في هذه الحالة لم تتدخل الدولة التي لها مسؤولية مباشرة على المواطنين لتقديم المساعدة الاجتماعية، بل تدخلت المدرسة بشكل مستعجل لدراسة الحالة الاجتماعية للتلميذ قبل فوات الأوان، فخصصت له ولعائلته مساعدات مالية شهرية مباشرة من خلال خلق إدارة المؤسسة لصندوق خاص لدعم الحالات الاجتماعية، فضلا عن مساهمة جمعية الآباء بقسط من المال في هذا الصندوق، وذلك قصد التكفل بمصاريف التنقل للتلميذ، بل حتى مساعدة والديه في حالة الضائقة المالية، في حين هناك حالات مشابهة يتم التكفل بها أيضا تذهب إلى درجة مساعدة أسر التلاميذ على إيجاد مسكن ملائم، ناهيك عن خدمات قد تصل إلى مستوى غسل وتنظيف ملابس التلميذ في حالة إذا لم يتأتى له ذلك في منزله، طبعا كل ذلك من أجل التلميذ لكونه شيئا مقدسا.
هذا الأمر، لا يحدث مع غاية الأسف في بلادنا، بل يحدث في انجلترا، ندرك إدراكا يقينيا اختلاف السياقين، والمقارنة جد صعبة مع وجود الفارق كما يقال، لكن ذلك لا يمنعنا من محاولة الكشف وتسليط الضوء عن بعض النقط التي قد تكون مفيدة جدا، وقد تحيلنا إلى ملامسة بعض القضايا المهمة التي ترصد علاقة المدرسة بمحيطها الاجتماعي.
بداية، الشيء الجدير ذكره، أن الدافع الأساسي الذي دفع بعض المؤسسات التعليمية في انجلترا إلى تبني سياسة المساعدة الاجتماعية لمتعلميها المعوزين، يبقى دافعا أخلاقيا محضا، حيث ليست هناك قوانين تلزم هذه المؤسسات بذلك، بل هي تتدخل عندما تدرك أن هناك غياب أو تأخر في دعم الدولة، وهنا يمكن أن نتحدث عن مستوى آخر بلغت فيه المؤسسة دورا طلائعيا يضاهي القيام بأدوار اجتماعية مقام الدولة.
إذا وجهنا البوصلة صوب سياقنا الوطني، فإننا يمكننا أن نناقش القضية وفق مستويين، المستوى الأول يهم المؤسسات التعليمية للقطاع الخاص، والمستوى الثاني المتعلقة منها بالقطاع العمومي.
يخامرنا الاعتقاد أن المؤسسات التعليمية للقطاع الخاص لم تبلغ بعد مستوى من النضج والوعي الذي يؤهلها إلى تبني مقاربة تدبيرية في سياستها، قد تذهب إلى مستوى المساعدة الاجتماعية لزبنائها والتفكير في إيجاد حلول مادية أو اجتماعية لمشاكلهم الأسرية، نظرا لطابعها التجاري الربحي المحض، حيث من الصعب تصور سيناريو الاحتفاظ بأحد المتعلمين في صفوف مقاعدها عندما تعجز أسرته عن سداد واجباته الشهرية، بغض النظر عن طبيعة المشاكل التي تواجهها تلك الأسرة، فما بالك إن تعلق الأمر بمساعدات تضامنية أكثر تقدما، علما أن حجم هذه المساعدات الاجتماعية التضامنية إن حدثت لا يمكن بحال من الأحوال أن تؤثر على الأرباح التي تجنيها تلك المؤسسات التعليمية.
من جهة أخرى، فالمؤسسات التعليمية للقطاع العام في بلادنا، نرى أن وضعيتها لها ارتباط وثيق بالوسط الجغرافي، حيث هناك المؤسسات التعليمية المتواجدة بالوسط القروي التي تواجه صعوبات ضعف البنيات التحتية وهشاشة ساكنتها من الناحية الاجتماعية والاقتصادية، فتصبح بذلك المدرسة هي الأولى بالمساعدة من غيرها حتى أنه في غالب الأحيان نجد الساكنة هي التي تقدم المساعدة بتيسير إيجاد السكن للمدرسين بالمناطق النائية، بل حتى توفير قطع أرضية على شكل هبات لبناء تلك المؤسسات.
في المقابل، هناك المؤسسات التعليمية العمومية المتمركزة بالوسط الحضري والشبه الحضري، حيث أن جزء لا بأس به من هذه المؤسسات له من سبل الإمكانيات المتاحة من خلال مجالس المؤسسات ما يؤهلها للمساهمة في الانفتاح أكثر على الأنشطة الاجتماعية للمحيط المحلي والجهوي للمدرسة، كما تنص على ذلك أهداف الميثاق الوطني للتربية و التكوين في مادته 68 على كون " المدرسة ترمي إلى اكتساب الكفايات التقنية و المهنية و الرياضية و الفنية المرتبطة بالأنشطة الاجتماعية و الاقتصادية للمحيط المحلي و الجهوي للمدرسة ".
الشيء اللافت للانتباه، أن الوزارة الوصية أقدمت على مبادرة طموحة تتغيى إشراك المؤسسات التعليمة في تحمل مسؤولية التدبير المالي والبيداغوجي من خلال مذكرة وزارية تحمل رقم 73 بتاريخ 20 ماي 2009 موضوعها ” إحداث جمعية دعم مدرسة النجاح بمؤسسات التربية والتعليم العمومي” . وقد قررت الوزارة إحداث على مستوى كل مؤسسة تعليمية بالتعليم الابتدائي والإعدادي والتأهيلي جمعية تسمى ” جمعية دعم مدرسة النجاح”، كإطار عمل لدعم مشاريع المؤسسة وصرف الاعتمادات المالية التي ستضعها الوزارة مباشرة رهن إشارة هذه المؤسسات ، خلال السنوات التي يغطيها البرنامج الاستعجالي( 2009/2011) .
إلا أنه في المحصلة لم تستطع بلوغ النتائج المرجوة على الرغم من توفير اعتمادات مالية مهمة، نظرا لأن الأمر قد ينطوي على مرحلة متقدة سابقة لأوانها لم تجد الشروط الكافية المواتية نتيجة ضعف ثقافة المبادرة والحكامة لدى شرائح كبيرة من المكونات العاملة بالقطاع التعليمي، إضافة إلى غياب التعبئة والتجاوب الحقيقي مع مكونات المجتمع المدني، فضلا على الانكفاء على المفاهيم النظرية وإغفال العمل الميداني.
بقلم محسن زردان