بقلم يحيى عمران
لماذا اشتعلت حمأة التنسيقيات في محيط وجود نقابات وطنية؟ لماذا ارتفع منسوب التأفف ووتيرة الهروب من الانتماء النقابي الى نقاباتنا المغربية؟ كيف للاجير والاستاذ والموظف والمواطن المغربي عموما ان يفضل البحث عن تحقيق مطالبه واسترجاع حقوقه المغتصبة خارج "مؤسسة" النقابة بمختلف تلويناتها وتباين مرجعياتها السياسية والعقيدية؟؟
قبل البدء نحتاج الى تحديد بعض المفاهيم المندرجة في اطار هذا الطرح التي سنسترشد بها في بسطنا للمسالة: ما المقصود بالنقابة والعمل النقابي ؟؟
تعرف النقابة على انها تنظيم قانوني يجمع نسيجا من الاشخاص يتعاطون مهنة واحدة او عدة مهن متقاربة او صناعة او حرفة متداخلة ومترابطة بعضها ببعض ، بهدف ملاءمة وتحسين ظروف العمل ماديا ومعنويا وقانونيا.
أما العمل النقابي فينطلق من النظر في طبيعة علاقات العمل والمصالح المشتركة بين طرفين: الاول يمثله العامل، والثاني يتعلق برب العمل.
تاريخيا من خلال استقرائنا لصفحات التاريخ النقابي المغربي على مستوى النشوء، يبدوان النقابة بالمغرب مرت من مرحلتين اثنتين:
الاولى على يد الفرنسيين بعد جلب المستعمر للقوة العاملة الفرنسية الى المغرب ، وتاسيس فرع الكونفدرالية العامة للشغل عام 1930، حيث كان الانتماء مقتصرا على الفرنسيين دون غيرهم من المغاربة الذين سيلجون العمل النقابي تدريجيا بعد سنة 1943 بعد صعود اليسار الفرنسي الى الحكم وتاسيس فرع الاتحاد العام للنقابات.
والمرحلة الثانية التي كانت على يد المغاربة، فمع بداية الترتيب للاستقلال تم تاسيس اول مركزية نقابية مغربية، الاتحاد المغربي للشغل 20 مارس 1955 على يد التيار اليساري لحزب الاستقلال مع المهدي بن بركة وعبد اللله ابراهيم..
عود الى الحاضر، لاستنطاق الوضع المازوم للحركة النقابية بمختلف تعبيراتها اليوم بالمغرب، فثمة استنادات عديدة يمكن الاستناد اليها للاقرار بازمة الحركة النقابية المغربية عموما، والنقابات التعليمية التي اخترتها نموذجا لتحليلي خصوصا.
فقد تداخلت عوامل موضوعية ترتبط بما يحاك من ترتيبات ومؤامرات الدولة لاضعاف الفعل النقابي وتسهيل التعامل مع هذا الجسم العمالي، وعوامل ذاتية لها الفصل فيما آلت اليه الحركة النقابية المغربية اليوم،ويمكن إجمالها وفق ما يلي:
· لقد كان لبداية ظهور الورم النقابي منذ المؤتمر التاسيسي للاتحاد المغربي للشغل، حينما تم انتخاب الطيب بن بوعزة حسب ما جاء في مذكرات محمد عابد الجابري في سلسلة مواقف، العدد5، واعترض المحجوب بن الصديق، كونه كان يجد في نفسه اهلا بالزعامة، فهدد بتاسيس نقابة جديدة، ليتم اقناع الطيب بن بوعزة بالاستقالة. وهو ما يشكل البذرة الاولى لزراعة الانشقاق والالتفاف على الديموقراطية..
· غياب الديمقراطية الداخلية والالتفاف السافر على مخرجاتها بين من يعتبرون انفسهم زعماء نقابيين، فلا يمكن ان تؤبد الزعامات النقابية الموبوءة على راس تنظيمات نقابية تمثل فئات مختلفة من المواطنين، وقد هرمت تدبيرا وتفكيرا ونظرة نحو المستقبل.
حيث اصبحت فورات التسابق نحو التسلق الاجتماعي والوصولية على حساب مطالب الشغيلة، جاعلة منها اوراق رابحة في التفاوض حول المواقع والامتيازات الخاصة..
ومن اعراض ذلك، الهروب الجماعي لعدد من رجال ونساء التعليم من التبطيق والانتماء الى النقابات، فضلا عن المقاطعة الفاضحة لانتخابات اللجان المتساوية الاعضاء. كما ان هناك زعامات ماعادت في حاجة الى اي شكل نضالي مادام انها استفادت من الترقيات وحسنت مستواها الاجتماعي والاقتصادي. واضحت تتاجر بهموم ومطالب البؤساء من المواطنين المنقبين.
· هروب النقابات المغربية التقليدية من تبني المطالب الفئوية، ما دفع في اتجاه صناعة التنسيقيات كبديل منتظر ذي افق استعجالي يعمل على اكراه الحكومات على تحقيق مطالبه، وقد اثبت صحته وجدارته، مثلما اثبت فشل وتلكؤ ومتاجرة الحركة النقابية المغربية.
· هيمنة فئات وجماعات معينة على تسيير الفروع النقابية، تجمع بينها توزيع الغنيمة وتقسيم المنافع والامتيازات، مع استمرار الترحيب بالمتقاعدين داخل التسيير في غياب قانون للنقابات.
· غياب الديمقراطية الداخلية داخل الفروع والمركزيات النقابية ، ما يدفع نحو الانشقاق والتفكير في تفريخ اجسام نقابية اخرى.
· صناعة طبقة أمنت مواقعها وحصنت امتيازاتها الضيقة الخاصة بتواطؤ مع الادارة الترابية ، خاصة في تغيير الاطار والتسقيف والترقية بالشواهد والعمل بالعقدة.. والسكوت على التفرغ النقابي الذي يسمح بالاستفادة من ميزانية الدولة دون عمل مقابل، وهو ما يشكل ريعا نقابيا.
· تحكم العقيدة السياسية في الفعل النقابي، ادى الى الصراع، صراع على التوجهات وتحديد المسارات في التعاطي مع المنخرطين والمنخرطات، وفي وضع الاولويات اثناء التفاوض والحوار.
· نقابات تقليدية بدون مشروع نقابي وبرنامج عمل ورؤية واضحة المعالم، عبر التركيز على سطحية المطالب واللجوء الى الحلول الترقيعية، فمثلا يتم الاقتصار على التعويضات والاجرة دون تفعيل وجهة النظر في البرامج والمقررات والتكوين المستمر وتدبير الصفقات..
· ضعف الكفاءة التفاوضية والقدرة الحوارية للزعامات النقابية، وان كان العكس فهو تواطؤ إذا وكولسة وتلاعب بمصائر المنقبين والمنقبات المغاربة.
· واخيرا، عدم القدرة على صناعة القرار في حينه التاريخي وهو ما ظهر بعدما تاخرت النقابات في تاطير الحراك الشعبي المغربي الممثل في حركة 20 فبراير، على خلاف النقابة بتونس التي كان لها الفضل في صناعة التغيير والانتقال السياسي.
بناء على ما سبق ، وفي محاولة للمسك بزمام هذا الورم النقابي يتحددمن خلال اتباع خيوط تتشابك في بيت نقابي أضحى أوهن من بيت العنكبوت؛ دائرة المرض تتحدد في الالتفاف على الديمقراطية ،وإعدام الديمقراطية الداخلية ،والتحكم النقابي، وسيادة التسلق الاجتماعي ،والوصولية والاسترزاق ،وتهميش المطالب الفئوية ، وضعف الكفاءة التفاوضية، وتأبيد الزعامة ، وإقصاء الاصوات المعارضة والارتماء في أحضان الريع النقابي، ثم اتقان لعبة التواطؤ والكولسة مع الادارة الترابية..
والعلامات على ما اقول بادية في أشكال التفريخ وسيناريوهات الانشقاق الحاصل بأعتد النقابات؛الكونفدرالية الديمقراطية للشغل وزعامتها المؤبدة الهرمة، والتي شهدت انشقاق مجموعة من القطاعات، كقطاع الفلاحة.. وبزوغ الكونفدرالية العامة للشغل ،والفيدرالية الديمقراطية للشغل ووجود تيارين معترف بهما من لدن الادارة الترابية؛ تيار ايوي وتيار العزوزي الذي ذاب في لفيف التحالف الثلاثي، والاتحاد المغربي للشغل ، اقدم نقابة بالمغرب التي عرفت ولادة تنظيمين معاكسين: توجه ديموقراطي بزعامة عبد الحميد امين وأخر بيروقراطي على حد تصنيف أمين، يقوده مخاريق.. ومثله ما شهده الاتحاد العام للشغل التي خرجت عنها كائنات نقابية متعددة..
قد يقول قائل إن الامر عادي مادامت الديمقراطية تسمح بذلك، فنقول ان اسباب فك الارتباط وصلت الى سقف الاورام السرطانية القاتلة. كما تجدر الاشارة الى انه لايمكن ان نغتر بالمساحيق المغشوشة التي تضعها هذه النقابات على وجوهها الهرمة المنخورة المهترئة،كما
لا ينبغي ان ننبهر بعدد الإضرابات التي تدعو إليها التنظيمات النقابية بالمغرب كل شهر ، وللوقوف على درجة انتماء الشغيلة لهذه النقابات يجب معرفة عدد المنخرطين فيها، لكن كل النقابات ترفض إعطاء معلومات دقيقة في هذا الصدد. فالكثير من المنخرطين في التنظيمات النقابية منخرطون بالاسم فقط وبحثا عن مصالح شخصية ضيقة.
بعد هذا الكشف بالصدى، ستظل هذه الممارسة قائمة قيام ذهنية الزعامة الموبوءة والعقلية الوصولية الديكتاتورية من جهة،وتغييب مدونة قانونية مؤسسة لتنظيم الممارسة النقابية تفك الادغام بينها وبين الدولة والباطرونامن جهة ثانية.
ليبقى السؤال الحارق وسط هذا الركام من الامراض، هل ستلبي التنسيقيات الحاجة الشعبية، خاصة اذا علمنا ان قيادات نقابية تنزع قبعة النقابي وترتمي في احضان التنسيقيات، مثلما حدث ويحدث مع الاساتذة المتدربين وخطة التقاعد اليوم؟؟.