محمد بنحمادة
يستفاد من مبدإ تكافؤ الفرص ضرورة أن يُعامل الناس بالتساوي باعتبار وجودهم لا باعتبار عرقهم أو جنسهم أو لونهم أو لغتهم... إلخ، وهو ما يعني ضرورة الاحتكام في تحقيق هذا المبدإ إلى معيار قانوني خالص تنتفي معه كل أشكال الانحياز والتفضيل والتمييز على هذا الأساس أو ذاك، وعندما نقول معيارا قانونيا فإننا نلغي بذلك تدخل كل ما يتعلق بالذات وما يمكن أن تفرزه من انفعالات وعواطف قد تلغي التكافؤ أو تحد من وجوده.
تستند المذكرة الإطار الخاصة بالحركات الانتقالية بوزارة التربية الوطنية، خطابيا على الأقل على مرتكز "تكافؤ الفرص" باعتباره أهم المرتكزات على الإطلاق من جهة أن المرتكزات الأخرى (الشفافية، والتوازن التربوي بين مختلف المناطق، وضمان حق التلاميذ في التمدرس، واستقرار الأطر التربوية، واستعمال التكنولوجيا الحديثة) هي من باب الأثر واجبة الحضور ولا زمة الاستحضار، غير أننا عندما نتخطى خطاب المرتكزات إلى ما يشكل التفاصيل نجد أن المذكرة قد نقضت غزلها حيث تجاوزت مبدأ تكافؤ الفرص واستبدلته بمبدإ الأولويات والامتيازات التي لا تستند إلى أي أساس قانوني باستثناء ما يمكن أن يكون عرفا.
إن مفهوم الامتياز في حركة انتقالية، من المفروض أن تستند إلى مبدإ قانوني هو الاستحقاق بالأقدمية لا غير، هو شكل من أشكال الريع الجديد (توزيع الامتيازات والأولويات بدون سند قانوني)؛ إذ ما معنى أن نمنح الأولوية للالتحاق بالأزواج؟ هل قدر الأعزب أو المتزوج بربة بيت أن يتحمل اختيارات الناس في الزواج بموظفة أو موظف؟ ولست أدري متى كانت الدولة الحديثة تتحمل مسؤولية اختيارات أفرادها، أو تفرض على المجتمع تحمل هذه المسؤولية، وأتصور أن الاختيار بين الزواج بموظفة أو موظف أو ربة بيت أو عدم الزواج مطلقا لا يجب أن يشكل عنصر تمايز بين موظفين من المفروض أن تعاملهم الدولة بمنطق المساواة وتكافؤ الفرص استجابة لروح الدستور بصرف النظر عن اختياراتهم الاجتماعية التي يجب أن ترتبط بالمسؤولية الفردية دون أن يتحمل المجتمع نتائج هذه الاختيارات.
وما معنى منح الأستاذة العازبة امتيازا على حساب أستاذ أعزب، درسا معا وتخرجا معا يتقاضيان الأجرة نفسها ويمارسان المهام نفسها، فمارست عليه الوزارة عنصرية على أساس الجنس، ففي الوقت الذي نسمع فيه أصواتا تنادي بالمساواة بين الجنسين من داخل نظرية مظلومية المرأة، نجد الوزارة تعيد اللاتزوان إلى نقطة الصفر لكن بصيغة مقلوبة أصبح الرجل فيها هو المظلوم؛ حيث منحت الوزارة الأستاذة 10 نقط بدون أي سند قانوني، اللهم ما يمكن أن يكون إرضاء ورشوة للخطاب النسوي، وتحرم الأستاذ الأعزب من هذا الامتياز دون أي تبرير وكأن الدولة تجبر الكسر القديم للنساء بكسر الرجال لتتساوى المعادلة.
قد يقال، في إطار التبرير العاطفي لهذا الريع الجديد، إن الأمر يتعلق بالتضامن المجتمعي، أو بالتمييز الإيجابي، وإن جزء من المجتمع يحب أن يضحي من أجل الجزء الآخر، قد يبدو هذا المنطق مقبولا إذا كانت التضحية تستند إلى فعل إرادي حر، لكن ما ليس مقبولا هو أن يكون هذا التضامن مفروضا، والأصل في كل تضامن أن يكون نابعا من قصد وتابعا لنية، أي أنني عندما أريد أن أتضامن مع هذا أو ذاك فمعناه أنني قررت ذلك، لكن أن يكون التضامن مفروضا من محفل متعالي فإن هذا التضامن يكون مرفوضا، كما أن مقولة التمييز الإيجابي تشبه إلى حد كبير محاولة تجميل وجه قبيح بالمساحيق، فمهما أضفنا لمقولة التمييز من إضافات فإنه يبقى سلوكا بشعا.
وقد يقال إن النقابات قد توافقت حول هذه المعايير، فإننا نقول بأن أي اتفاق يجب أن يتم في إطار احترام القوانين إما بتحيينها أو تكييفها مع الوقائع الجديدة، وكل توافق خارج القانون لا يمكن أن يكون سوى عقد مطعون فيه، ثم بأي منطق نتجاوز القانون الذي يستوعب الجميع باعتباره مؤسسة اجتماعية تعبر عن صوت "النحن" وتمثله الدولة بمؤسساتها، ونستبدله بتعاقد سياسي محض يفتقد إلى ركيزة الإجماع من جهة أن النقابات لا تشكل صوت كل الشغيلة بقدر ما تمثل صوت المنخرطين فيها فقط، وهي تمثلهم وفق أجندتها السياسية، وهكذا يصبح القانون "رهينة" في يد هذا التعاقد بإمكانه أن يتجاوزه أو يلغيه بالمرة.