إعداد: الزكري عبدالرؤوف
يبقى موضوع المرأة من المواضيع التي أسالت من الحبر الشيء الكثير، وتحت جسره جرت مياها كثيرة، نظرا لحيويته وأهميته والمظلومية التي لحقتها تاريخيا وفي مختلف الحضارات، الشيء الذي ولد تدافعا ما فتئ يتصاعد حدة ونبرة، واختراقه لكل المجالات. والمشروع المجتمعي مهما كانت مواصفاته، إلا وللمرأة ومكانتها فيه حظ أوفر، فهي عنوان يحضر في كل محاوره.
لكن الذي نريد أن ننبه إليه هنا، أن تبوؤ الفرد ذكرا كان أو أنثى المكانة التي هو أهل لها، صعودا أو نزولا ليس له من سلم سوى درجات المدرسة، فكل تصور حول الإنسان يراد له التمكين في دنيا الناس، ليس له من سبيل غير صياغة البرامج والمناهج الدراسية، الحاضنة للمشروع المجتمعي الذي يتسلل إلى أفئدة النشء ووجدانهم، بتبني الأنماط والنماذج البشرية والادوار الموكولة لكل نوع منهم، و التي تمرر إلى الأذهان عبر مختلف المواد والأنشطة المدرسية. فأي دور ومكانة لامرأة اليوم والغد والملامح التي تريدها لها مناهجنا الدراسية؟
امرأة متعلمة:
هذا أمر لا تخطئه العين ونحن نهم بتصفح الكتب المدرسية التي تحبل نصوصها بأهمية التعليم في تنمية الفرد والبنت على وجه التخصيص، وأصبحت دعوى رواد الإصلاح التي أثارت سجالا كبيرا في بداية القرن الماضي من التراث الذي يستفز المرء كلما اطلع على أراء المناوئين لها. نصوص قرائية تنهل من القرآن والسنة وتأليفات السلف الصالح، والتي تخاطب العقل قبل الوجدان، معززة بصور لبنات في قاعة الدرس والمختبرات، ورائدات في التدريس والبحث العلمي. نصوص تحفز البنت على مواصلة التعليم الذي ساهم بالرقي بالكثيرات، وكان جسرا عبرنه إلى المهن المختلفة من قضاء وطب ومحاماة وتدريس... عوض أعمال الكنس والطبخ – رغم شرف المهمة ونبل المقصد منها٬ فسيد القوم خادمهم -الذي تئن تحت وطأته غير المتمدرسات. وكيف ساعد التعليم الأم في تربية الأبناء ومساعدتهم على النجاح المدرسي ومنه النجاح في الحياة. ناهيك عن ما تتطلبه الأعمال المنزلية قدرا من التعليم لما يحتويه البيت من تجهيزات يتطلب تشغيلها إلماما بلغة غير لسانها، وتقنية تتطلب عقلا مختبريا اعتاد التجريب والضغط على الأزرار المختلفة. مع إفادتها منه في المواكبة التربوية والعلمية للأبناء الذين لا يستغنون عن ما يستجد من الابتكارات العلمية والتكنولوجية والتي تأسر أبناء اليوم وتأخذ بألبابهم، وكيفية مساعدتهم على التعامل معها، واقتناص إيجابياتها والانفلات من سلبياتها.
امرأة فاعلة في الحياة العامة:
إن خروج البنت للتعلم، والمرأة للعمل، جعل مهمتها التقليدية تتهشم على صخرة رغبتها في المساهمة في التنمية الشاملة لمجتمعها، الذي لا يمكن أن يستغني عن خدماتها، وفي مجالات لم يعد بإمكان أحد أن يُنكر عليها ذلك، وأصبحت مقولة «للمرأة خرجتان: الأولى إلى بيت زوجها، والثانية إلى قبرها» من النكث التي يتفكه بها أبناء اليوم، وسبة لأبناء الأمس، الذين عليهم واجب الاعتذار عنها. فقد تعلمت أجيال عديدة، وفي مقاعد المدرسة التي بناها السلف، على أن للمرأة مساهمات سياسية، فهي تترشح وتنتخب من خلال أنشطة التعاونية المدرسية، وتشارك في الأندية التربوية لمدرستها، ذات الطابع الحقوقي أو الفني أو البيئي... كما تشارك في الأنشطة الرياضية خارج مدينتها ووطنها، وكثيرا ما كانت مصدر فخر لمؤسستها، كما أخريات رفعن علم بلادهن وأسمعن النشيد الوطني في أرجاء المعمور، وعرفن ببلادهن مثل زميلهن الرجل. كما لها مساهمة في صناعة الرأي العام، فما أكثر المجلات المدرسية التي شاركت فيها وتحملت مسؤولية إدارتها، كل ذلك استلهاما لما بثته فيها الحياة المدرسية المفعمة بكل ما هو خلاق ومحفز على ارتياد الآفاق، التي لم تنحصر في المدرسة والثانوية والجامعة... بل تمرينا لما هو قادم، وما منتظر منها من انخراط في هموم المجتمع، وقيادته إلى مصاف الأمم التي تتحدث عنها دروس التاريخ والجغرافيا.
وتقدمها قدوة للشعوب المتخلفة، ونماذج ينبغي أن تحتذى في التحرر والاستقلال وامتلاك القرار السيادي، والرغد الاقتصادي و الاستقرار الاجتماعي... ومقابل الإشادة بهذه النماذج
الفاعلة في مختلف المجالات، نجد إشفاقا على أولئك القابعات بين الجدران أو تحت الصفيح، لا تفهمن من معاني الحياة سوى الكنس والحطب... وهو وضع يتعاظم النفور منه، من طرف فتيات القرى، وما النسب التي ترتفع سنة عن أخرى للمتمدرسات منهن خير دليل.
المرأة مقاولة:
عاشت المرأة حقبا عديدة تحت رحمة جيب الرجل، أو عاملة في الضيعات الفلاحية، أو متكسبة مما يجود به أصحاب الخبرة والدراية في تسويق كدهن في الغزل والنسج، لكن القيم المدرسية الجديدة، تدعو المرأة بقوة إلى الخروج من هذا الوضع المستغل لإبداعها وعرقها،
فتم الالتفات إلى أهمية تكوين الجمعيات والتعاونيات المهنية، والتي شكلت موضوعا لكثير من نصوص الكتاب المدرسي، داخل المجال الحضري والقروي، سواء بسواء. كما تغطي مجالات كانت حكرا على الرجل، تبدأ من الإنتاج إلى التسويق استيرادا وتصديرا. لا يمنعها من أي قانون أو ثقافة، أصبحت محل ازدراء من الرجل قبل المرأة. هذه الثقافة الجديدة، جعلت من بعضهن يتربعن على رئاسة أكبر المؤسسات الاقتصادية الدولية والوطنية. كل ذلك ليس منة من أحد أو منحة، بل الكفاءة والمثابرة، وامتلاك روح المبادرة التي وإن لم تورث، فإنها تكتسب. «وقل اعملوا فسيرى عملكم ورسوله والمومنون»