حوار مع الدكتور أحمد المريني الإعلامي الأكاديمي:
الإعلام التربوي قادر على المساهمة في بلورة وإعداد ثقافة قادرة على الصمود أمام العواصف القادمة من كل اتجاه..
حاوره سعيد الشقروني
كثر الحديث في الآونة الأخيرة عن الإعلام المتخصص ومدى تأثيره القوي في مجالات متعددة أبرزها التربية والتعليم، والمتأمل في هذا الجانب يقف على شكل العلاقة الوطيدة بين الإعلام والتربية، وللاقتراب أكثر من الموضوع استضفنا الدكتور أحمد المريني الإعلامي الأكاديمي، حاصل على شهادة الدكتوراه في الصحافة الأدبية، وأستاذ زائر في جامعة عبد الملك السعدي، وصحفي بإذاعة م ف م، له قيد الطبع: "بين الصحافة والأدب: الرحلة من منظور صحفي" و"بيبلوغرافية الصحافة والإعلام والاتصال بالمغرب"
سؤال: الدكتور أحمد المريني، مرحبا بك، وأشكرك على قبول الدعوة لإجراء الحوار حول موضوع هام يتجاذبه حَقْلا التربية والإعلام..أسألكم في البداية: ما المقصود بالإعلام التربوي، وما هي أبرز أسسه ومُنطلقاته؟
جواب: بدوري أشكر تربويات على مواكبتها واهتمامها بالشأن التعليمي والتربوي، وجوابا على سؤالكم أقول إن الإعلام التربوي تخصص حديث في مجال الإعلام عموما، ينتظر أن يترسخ في المغرب ويمتد بشكل أوسع ويقوم على استثمار وسائل الإعلام والاتصال داخل الفصل الدراسي أو خارجه من أجل ترسيخ منظومة ثقافية وتربوية وتعليمية، مستغلا الأسس والمرتكزات التي يقوم عليها أي نظام تربوي وثقافي في دولة ما، كما يقوم هذا التخصص على توظيف وسائل الإعلام والاتصال الحديثة في توثيق العلاقة بين مجالات التربية والتعليم. ومن الأسس والمنطلقات التي يقوم عليها هذا الإعلام في المغرب الالتزام بالإسلام وتصوراته الكاملة للكون والإنسان والحياة، والارتباط الوثيق بتراث المغرب وتاريخه وحضارته، مثلما يفترض أن يتضمن برامج التربية الوقائية كبرامج التربية البيئية وبرامج التحسيس والتوعية التربوية، وبرامج الثقافة والتراث، وأخرى تخص التوعية العامة في قضايا متعددة.
سؤال: ثمة حديث عن الجدل القائم بين التربية والإعلام، كيف ذلك؟
جواب: يتناول الباحثون في مجال التربية والتعليم الجدل القائم حول العلاقة بين التربية والإعلام، ومن خلال البحث عن أصول الاختلاف تبرز طبيعة التطور التكنولوجي الذي فرض مظهراً مهماً من مظاهر التكامل بين الإعلام والتربية، كون الإعلام أصبح محوراً من محاور العملية التعليمية في كل المجتمعات الشيء الذي دفعها إلى إدراج الإعلام التربوي ضمن التخصصات التربوية المنتشرة في المؤسسات التربوية وفي الفضاءات الإعلامية العمومية.
سؤال: لماذا التربية الإعلامية؟
جواب: الثورة التكنولوجية جعلت التربية الإعلامية في العالم والمغرب على وجه خاص أكثر حضورا في المجال التربوي والتثقيفي والتوعوي، بعد السيطرة على البث المباشر للبرامج التليفزيونية المحلية التي فقدت قدرتها على التصدي للمنظومة التربوية والثقافية الأجنبية الوافدة، دون أن ننسى شبكة الانترنت التي غدت منافسا حقيقيا للثقافات والتوجهات التربوية الوطنية؛ هكذا باتت الدول في حاجة إلى التربية الإعلامية لحماية أمنها التربوي والمجتمعي من كل التيارات العاصفة بالثقافة الوطنية؛ إن الإعلام التربوي قادر على المساهمة في بلورة وإعداد ثقافة قادرة على الصمود أمام العواصف القادمة من كل اتجاه، بل يمكن اعتباره بمثابة مضاد حيوي من شأنه مواجهة الكثير من الاختلالات التي تصيب جسد المجتمع..
سؤال: ما هو شكل العلاقة بين التربية والإعلام؟
جواب: يمكن التمييز بين دور الإعلام ودور التربية في المجتمع المعاصر من خلال تحديد أدوارهما، الكل يعرف سرعة انتشار الإعلام وتأثيره في تشكيل عقول الجماهير، مثلما يدرك ما تتميز به وسائل الإعلام من سرعة التجاوب مع المستجدات العلمية والتكنولوجية، وقدرتها على نقل الثقافة العامة للمجتمع إلى جانب الثقافات الفرعية للفئات الاجتماعية المختلفة، أو ما يتيحه لجمهوره من فرص واسعة للترفيه، وهذا ما لا توفره التربية لطلابها.
أما التربية فلا أحد ينكر دورها الكبير في تنمية الإنسان بشكل متزن ومتكامل جسمياً وعقلياً وخلقياً ووجدانياً وعقائدياً واجتماعياً وثقافياً، مثلما تساعده على إكساب المتمدرسين المفاهيم والاتجاهات والقيم والمعلومات والمهارات الأساسية في الحياة، وتكوين علاقات تواصلية وتفاعلية تقوم على الفهم والاحترام والثقة.
سؤال: كيف يمكن تحديد مفهوم موحد للتربية الإعلامية؟
جواب: يصعب على الدارس في مجال الإعلام والاتصال تحديد مفهوم موحد للتربية الإعلامية، نظرا لأثرها في صناعة التغيير في الرؤى والمفاهيم والتطبيقات التربوية داخل المدرسة وغيرها، كون التربية الإعلامية تعتمد على معايير دقيقة وعلى تنظيم معقد من الأدوار والمواقع تسهم في العملية التربوية الإعلامية.
لكن بعض الدارسين يجمعون على أن التربية الإعلامية هي عملية تعليمية وتربوية تتخذ من وسائل الإعلام والاتصال وسيلة لها لتحقيق جملة من الأهداف التربوية والتعليمية المرسومة داخل منظومات مجتمعية تستهدف المتعلم وكافة أفراد المجتمع.
وعلى خلاف المجتمعات المتقدمة، لم تهتم المنظومة التربوية في المغرب بتقديم خدمات التربية الإعلامية على الصعيد المدرسي أو خارجه بشكل مؤثر وفاعل إلا في السنوات الأخيرة، رغم أهميتها الكبرى في تشكيل الوعي التربوي والمجتمعي في عصرنا الذي يتميز بكثافة العناصر الثقافية وسرعة تفاقمها وانتشارها وتداخلها وشدة تأثيرها إلى درجة لا يمكن معها مجاراتها ومتابعتها.
سؤال: ما هي مجالات التربية الإعلامية؟
جواب: تهتم التربية الإعلامية بتثقيف الناشئة بكل ما يجري في محيطها الثقافي والمجتمعي والبيئي وأشكال العلاقة مع الآخر، وترسيخ التعايش مع المحيط الداخلي والخارجي وتمكين المتعلم من الحصول على آليات التفاعل مع المحيط والعولمة، لمواجهة التطورات والمتغيرات المحلية والوطنية في المجالات الثقافية والاجتماعية، وتمكين المتعلم من الكفايات المعرفية والتربوية والتعليمية لتجاوز ثقافة العدم والاستسلام والرفض أو التبرير.. من خلال إكسابه المعارف الاجتماعية ومهارات النقد والتقويم والتحليل وحل المشكلات والربط بين الأشياء وبين المتغيرات.
سؤال: هل توجد تجارب محلية أو وطنية في هذا المجال؟
جواب: لا يزال المغرب في بداية الطريق لترسيخ مبادئ الإعلام المتخصص عموما والإعلام التربوي بوجه خاص، فباستثناء القناة التلفزية المغربية الرابعة التي تعد قناة تربوية وثقافية والقناة المغربية السادسة، يفتقر المغرب إلى فضاءات إعلامية تربوية قوية مؤثرة داخل المجتمع، نظرا لغياب الكفاءات المتخصصة والبرامج الطموحة وغياب تشريع يساعد على المضي قدما في هذا الجانب.
على مستوى المؤسسات التعليمية، تظل البساطة هي السمة الغالبة على الأنشطة التربية والثقافية التي تدخل في إطار الحياة المدرسية، مثلما يُسجل غياب كبير للإعلام التربوي على مستوى مواقع التواصل الاجتماعي التي تهتم بالمجال التربوي بالمغرب.
سؤال: هل وقفتم على تجارب ميدانية في مجال الإعلام التربوي بالمؤسسات التعليمية؟
جواب: بالتأكيد توجد تجارب كثيرة متفرقة في مدن مغربية كثيرة، وقد وقفت على بعض منها في مدينة تطوان، مثل برامج الجمعية الوطنية للصحافة المدرسية التي تضمن سلسلة من البرامج الإذاعية المختلفة في مجلات متعددة كالبيئة والمجتمع والمناسبات الوطنية، نشرت على مواقع التواصل الاجتماعي الفايسبوك واليوتوب، واهتمت بها بعض الصحف والإذاعات المحلية، فضلا عن تنظيم ورشات تكوينية في المجال الإعلامي لفائدة التلاميذ ببعض المؤسسات التعليمية؛ فمن خلال هذه التجارب برزت العلاقة القوية بين التربية والإعلام وهذا ما أظهره تجاوب التلاميذ في مختلف الأسلاك التربوية مع هذه البرامج التربوية والثقافية واندماجهم الكبير في محيط المؤسسة التعليمية.
سؤال: الدكتور أحمد لمريني، باسم تربويات أجدد شكري لكم على هذا الحوار المفيد والعالِم.
جواب: العفو، بدوري أشكرك أستاذ سعيد على مواكبتك ومجهوداتك.