حاورها سعيد الشقروني
سؤال: نحاور اليوم الأستاذة والدكتورة بشرى سعيدي أستاذة التعليم العالي بالكلية المتعددة التخصصات بالرشيدية، أستاذة الأدب الحديث ومؤطرة ماستر المسرح ومناهج الفرجة، عضو مختبر الدراسات السردية السيميائية والأنساق الثقافية بالكلية نفسها، نائبة رئيس المعهد المغربي للدراسات والتواصل بالرشيدية، وعضو المرصد المدني لتخليق الحياة العامة ودعم الشفافية، وعضو مركز مولاي إسماعيل للدراسات والأبحاث في اللغة والآداب والفنون.. أستاذة بشرى سعيدي نشكرك على قبول الدعوة إلى إجراء هذا الحوار..
جواب: العفو أستاذ سعيد، وأغتنم الفرصة لأشكر أيضا تربويات على مواكبتها العالمة للمشهد التعليمي والتربوي، كما أنني سعيدة بهذا اللقاء آملة لمنبركم البهي دوام التألق والنجاح.
سؤال: تحضرني تعريفات جمة ومختلفة للمسرح، لكني مصر على إعادة طرح هذا السؤال القديم/ الحديث..ما هو المسرح في رأيكم؟
جواب: تعددت تعريفات المسرح، وكل عرفه من وجهة نظره الخاصة، وتأرجحت التعاريف بين المخرجين والمنظرين والنقاد، غير أن المسرح بالنسبة لي هو عالم فني كبير يجمع كل المفارقات.
أعتبره ظاهرة اجتماعية بكل المقاييس يسمح بالتعبير عن القضايا التي تشكل حدثا في حياة الإنسان ويساهم في تنوير المجتمع والإحساس بمشكلاته بتلقائية، ويجعل الفرد يتماهى مع ما يحدث في بيئته ويتطلب وجهدا جماعيا للوصول إلى المبتغى..المسرح يساهم في خلق وعي متيقظ، سواء كان نصا أو عرضا، يجعل المتلقي يحلق في عوالم رحبة تختلف باختلاف مدارسه واتجاهاته ويؤرخ لحقب زمنية منذ ظهوره، وما يثيرني في المسرح خصوصا؛ النص المسرحي هو أنه ليس مقدسا بل يمكن التغيير فيه حسب الزمان والمكان، وحسب طبيعة المتلقي أيضا، كما يخضع للتحولات الاجتماعية والسياسية الراهنة، هو فن عالمي يسمح بتوظيف كل اللغات واستغلال كل العلامات.
كل الأشكال التعبيرية مسموحة ما دامت تؤدي الغرض، المسرح بالنسبة لي عالم ممتد بلا نهاية.. هو إرث غني بالأشكال والأنماط، وتجدد وإبداع حسب اللحظة الراهنة، الأساس فيه هو تحقيق المتعة والفائدة للمتلقي.
لا أريد أن أعطي تعريفا قارا ومحددا للمسرح، ففي نظري هو عالم يصعب القبض على معالمه، لذلك تملصت التعريفات في مجاله.
سؤال: أين يكمن دور المسرح في حياة التلميذ والطالب؟
جواب: لا شك أن المسرح باعتباره مادة دراسية له دور أساسي في حياة التلميذ والطالب ويمكن أن نحدد نوعين من المسرح:
مسرح تعليمي تربوي ذو طابع ديداكتيكي يتوسل به لنقل المعرفة البيداغوجية فنجده وسيلة في كل المراحل التعليمية، وهو نشاط مرن يساعد المتعلم على فهم دروسه في المراحل الأولى من التعليم؛ حيث يتخذه الأستاذ وسيلة تساعده على تقديم الدروس، كما يوظف في حصص التثبيت والدعم لتقدم عبره المعارف بطريقة مثيرة ومفيدة، غير أنه يتخذ شكلا آخر في المراحل الإعدادية والثانوية، إذ يصبح من بين الأنشطة الموازية التي يمارسها المتعلم خلال ساعات خارج الحصص الدراسية التي تمكنه من صقل مواهبه ومن تأهيله عبر مهارات التواصل والتعبير، كما أنه يوظف لترسيخ مجموعة من القيم الدينية والوطنية والتواصلية.
أما خلال المرحلة الثانوية فتتم دراسة المسرح بطريقة أكاديمية حيث يتعرف المتعلم على فن المسرح ومكوناته واتجاهاته، كما تدرج في المنهاج بعض المسرحيات قصد الدرس والتحليل، فتكون بذلك اللبنة الأولى لتعلم المسرح خصوصا في مسلك الآداب، أما في مسلك العلوم والتقنيات، فيكتفى بتدريس المتعلم كيفية كتابة مشهد مسرحي بعد تزويده بأرضية تعرفه بالمسرح عامة وبمنهج مسرح العبث خاصة.
وهناك نوع آخر من المسرح يوظف في كافة المراحل التعليمية ويتميز بكونه ذو طابع ترفيهي الغرض, منه التنفيس عن المتعلمين أواخر الدورات الدراسية، أو إبان تخليد الأيام الوطنية والدينية، رغم أنه يضم بين ثناياه الطابع التربوي ويتم عبر الأندية التربوية الكائنة بالمؤسسات التعليمية.
أما المسرح في المرحلة الجامعية فيتخذ بعدا أعمق في الدراسة والتحليل، كما يعتبر نشاطا موازيا يشارك فيه الطلبة في مختلف الأنشطة الثقافية علما أن هناك مهرجان وطني للمسرح الجامعي تنظمه وزارة التعليم العالي كل سنة.
سؤال: غير بعيد عن السؤال السابق، كيف هو واقع الدرس المسرحي في التعليمين الثانوي والجامعي؟
جواب: الدرس المسرحي في التعليم الثانوي يمكن القول عنه إنه بخير، ذلك أن المتعلم يقدم له المسرح كمعرفة نظرية بحيث يتلقى المبادئ الأولى للمسرح، كما يتدرب على كتابة مشهد مسرحي أو دراسة نص مسرحي بطريقة عادية يتوخى منها تعريف المتعلم بالجانب الجمالي في الكتابة المسرحية، في حين نجده في مراحل التعليم الجامعي يتخذ أبعادا أعمق بحيث يتغلغل المتعلم في دراسة المسرح خصوصا في الفصل الرابع من الدراسات العربية وفي الفصل الثاني من الدراسات الفرنسية؛ حيث يتم التعرف على تاريخ المسرح الغربي واتجاهاته ومدارسه، كما يتعرف على المسرح العربي ورواده وتياراته، ويتوسع الطالب في المسرح إذا رغب في إجراء بحث نهاية السنة حول المسرح؛ ومن ثمة يختار توجيهه من الأستاذ المشرف بتناول ظاهرة مسرحية أو تيار مسرحي ويطبق على مسرحية غربية أو عربية، ويبقى التخصص في ماسترات المسرح أفضل مجال للتعمق في الدرس المسرحي؛ بحيث يسمح التخصص في البحث في قضايا دقيقة خاصة بالمسرح ويطلع الطالب على مجموعة من المواد التي تسمح له بالتعرف على مجالات المسرح بطريقة واعية ومفصلة ويتأتى له إدراك جماليات الفرجة، وكيفية التحليل الدرامي، وكيفية التعامل مع هندسة الخشبة، ويبقى الهدف من دراسة الطالب للمسرح، ليس فقط حمل العدة المعرفية بقدر ما نسعى إلى خلق مقاولات ثقافية يتمكن بعدها المتخرج من خلق فرص شغل له ولغيره؛ وذلك من خلال التمكن من آليات الإخراج والديكور والسينوغرافيا، وغيرها من المهارات التي تستوجبها خلق مقاولة ثقافية.
سؤال: ماذا عن البحث الجامعي في المسرح؟ وما الجوانب التي يجب إيلاؤها الاهتمام اللازم في البحث الجامعي؟
جواب: هناك عدد لا بأس به يهتم بمجال المسرح ويريد التعمق فيه، والبحث عن خباياه والعديد منهم يتقدم بمشاريع بحث تهم المسرح وقضاياه، غير أن ما يلزم هو فتح مسارات فنية تؤهل الطالب منذ المرحلة الجامعية الأساسية (3 سنوات)، وأن يتعمق في السنة الثالثة في مجال المسرح.. فإذا كان هناك تخصص آداب وفنون وهناك تخصص لسانيات، ينبغي أن يعتمد تخصص فنون بطريقة مستقلة عن الآداب حتى يتأتى للطالب أن يتعمق خلال السنة الأخيرة في تخصصات المسرح، قبل أن يلج الماستر، وهذا من شأنه أن يفتح آفاقا للطلبة تساعدهم على التخصص في هاته المجالات، ومؤخرا بدأ الاهتمام بالحقل المسرحي من طرف الطلبة خصوصا أننا نوجههم إلى الاهتمام بالفرجات الشعبية، ومعلوم أن جهة درعة تافيلالت تزخر بمؤهلات فرجوية غنية جعلت الباحث يطمح إلى البحث فيها وتوثيقها، إذ نسعى جاهدين بمعية طلبتنا إلى أرشفة هذا التراث الفرجوي الغني الذي يمتد عبر تراث الجهة.
سؤال: ما هي الإكراهات التي تعترض سبيل تدريس الدرس الجامعي في الجامعة؟
جواب: لا يمكن الحديث عن إكراهات كبيرة، بقدر ما يتعلق ببعض العوائق التي نواجهها في البداية مع الطلبة، ذلك أن هناك من لا يستطيع الفصل بين ما يدرس له وبين الواقع، فمثلا هناك أسئلة تطرح من قبيل جدوى تدريس المسرح الكلاسيكي أو العبثي، وهناك من لا يفصل بين المسرح عند الإغريق وتعدد الآلهة والمسرح اليوم، مما يجعل الطالب مرتبكا في البدايات الأولى لتلقي المعرفة المسرحية، لكن بالشرح والتوضيح التدريجي يتمكن الطالب من تلقي الدرس الجامعي بالشكل اللائق به.
سؤال: نظم الماستر المتخصص في المسرح وفنون الفرجة بالكلية المتعددة التخصصات بالرشيدية مؤخرا لقاء حول تجربتكم الأدبية، هل يمكن أن نضع القراء في الصورة العامة لأجواء اللقاء.
جواب: نظم الماستر المتخصص في المسرح وفنون الفرجة بالكلية المتعددة التخصصات بالرشيدية لقاء حول تجربتي الأدبية وهو ثاني لقاء يخصص لأعمالي، بعدما تمت قراءة إصداري الأول "ديوان أرخبيل الأحلام" من طرف بعض الدكاترة بالكلية المنتمين على الخصوص لفريق اللغة والأدب، وقد جاء اللقاء الثاني احتفاء بمجموعة من الكتب التي قاربت مجال المسرح حيث تناول مجموعة من الدكاترة ومن مشارب مختلفة قراءة أعمالي الأدبية، حيث تفضل كل من زملائي: الدكتور سعيد كريمي، والدكتور عبد الله بريمي بقراءة كتابي "نظريات التحليل النفسي والمسرح" إذ عملا على التوالي على تقديم مقاربات أنتربولوجية وسيميائية للكتاب، عرفوا فيه طلبة الماستر وباقي الطلبة بهذا الكتاب الصادر عن دار غيداء بالأردن سنة 2017 الذي تم توقيعه بالمعرض الدولي للكتاب والنشر بالدار البيضاء، أما الدكتور الغالي بن هشوم فقد تناول بالدرس والتحليل كتاب "صورة السجين في الرواية العربية" وبحث في خبايا هذا الكتاب الذي تناول السجن وقضاياه وعلاقته بالرواية؛ وهو كتاب صادر عن دار الخليج بالأردن سنة 2016.
أما الدكتور محمد السهول فتناول كتاب "تمظهرات العبث في مسرح محمد تيمد"، وبحث فيها عن خبايا تجربة مغربية تناولت العبث بمهارة عالية، وكشف فيه للمتلقين عن تجليات العبث في التجربة التيميدية، أما الدكتور مصطفى خيري، فقد تناول كتاب "صورة السجين في الرواية العربية"، وقدم دراسة مقارنة للكتاب مع الرواية الفرنسية باعتباره أستاذ ضمن مسلك اللغة الفرنسية.
وقد توج اللقاء بشهادات مجموعة من الأساتذة الزملاء، وكذا شهادات الطلبة والطالبات الذين درستهم سواء في مرحلة الإجازة الأساسية أو في سلك الماستر، وقد اعتبرت هذا اللقاء تكريما لي، لأنه تجاوز البحث في إنتاجاتي الأدبية إلى التعريف بشخصيتي وبتعاملي مع طلبتي ليختم اللقاء بحفل شاي على شرف الحاضرين والمدعوين، وسيظل هذا اليوم راسخا بذاكرتي، لكونه تكريم في بداية المشوار واحتفاء يضع على عاتقي مسؤولية الجد والاجتهاد والبذل والعطاء في مجال تخصصي، كما يفرض علي ضرورة الأخذ بأيدي طلبتي في البحث العلمي حتى يصلوا إلى بر الأمان..
سؤال: أبارك هذا الاحتفاء بتجربتكم الأدبية..هو احتفاء مستحق.. الأستاذة والدكتورة بشرى سعيدي، سعيد حقا بهذا السفر السندبادي معكم في أجواء المسرح، وأتمنى لكم مسارا ثقافيا ومعرفيا وفنيا موفقا..
جواب: بدوري أود تقديم الشكر الجزيل للأستاذ سعيد الشقروني على ما يبذله من جهد في التعريف بمجموعة من الكفاءات الرصينة في كافة المجالات، وممتنة له بالاهتمام بمجال المسرح على الخصوص، متمنية له كامل التوفيق والسداد.
العفو أستاذة، كل التقدير والاحترام..