ذ. عبد العزيز خلوفة
نظَّم نادي القراءة والإبداع بطه حسين التأهيلية بالقنيطرة صبيحة يوم السبت 8 مارس 2025 نشاطا باذخا بمناسبة اليوم العالمي للمرأة، احتفاء بأستاذات وإداريات المؤسسة، اقتناعا من المنظمين أنَّ الاحتفاء بنساء التعليم في هذا اليوم السنوي محطة للاعتراف بالجهود التي تبذلها الأستاذة مربية الأجيال، والتربية، كما يقول علي أسعد وطفة، مَعينُ كل نهضة حدثت في التاريخ، والأستاذة تشتغل وتعاني في صمت، نادرا ما يلتفت إليها، علما أنها وراء بناء العقل وإعداد الإنسان وإنتاج الثقافة لأجل النهوض بالمجتمع، وهذا الطريق ليس معبَّدا كما يعتقدُ البعض، بل ثمة عوائق وإكراهات تحتاج إلى الإصرار والتضحية والاصطبار...
استضاف النادي الدكتور عبد الحي العيوني، أستاذ اللغة العربية وآدابها بالمدرسة العليا للتربية والتكوين جامعة ابن طفيل، الذي أطر اللقاء، حضره الأستاذات والأساتذة والإداريات والتلاميذ، بمداخلة قيِّمة اختار لها عنوان " المرأة العربية تصنع التاريخ...نماذجُ غيرت مسار الإنسانية". مقسما محاضرته إلى شقين؛ شق استعرض فيه مجموعة من النماذج النسائية اللائي تركن أثرا طيبا عبر التاريخ في مجالات الإبداع والعطاء المختلفة، إذْ مهد الحديث بتناول المجال الديني، ممثلا له بأسماء لامعة (كخديجة بنت خويلد، وعائشة بنت أبي بكر، وفاطمة الزهراء بنت الرسول صلى الله عليه وسلم، ونفيسة بنت الحسن..)، ثم انتقل إلى المجال السياسي للتذكير ببعض النماذج الخالدة (كشجرة الدر، وملكة سبأ..)، ثم المجال العلمي ، وقد مثل له ( بفاطمة الفهرية، ولبنى القرطبية وغيرهما)، ثم المجال الاجتماعي الذي اختار له أسماء ( كزينب بنت علي ، ورابعة العدوية...)، قبل أن يخلص إلى تناول نماذج نسائية مغربية اشتهرن بالتميز والتفوق والتتويج الوطني والدولي، فعلى سبيل التمثيل ذكر:(نوال المتوكل، نزهة الشقروني، زليخة نصري، فاطمة المرنيسي، خديجة رياضي، عائشة الشنا.. وغيرها) مستعينا بتقنية الفيديو في عرض الأسماء مع إنجازاتهن.
بعدها انتقل إلى الشق العملي، لربط الماضي بالحاضر واستخلاص العبر، طارحا سؤالا عريضا عن أسرار التفوق.. فالتميز والتفوق من نصيب المرأة منذ الزمن الغابر، لكن ينبغي أنْ نعرف سر ذلك، حيث لابد من الاعتراف بقدرات المرأة وكفاءاتها، بمراجعة القوانين والتشريعات والثقافات الاجتماعية التي تحد من مساحة تدخلها، فضلا عن مواجهة كل أشكال الإقصاء والميز ضدها، وقدْ نبّه الدكتور العيوني إلى القيم التي كانت تجسدها النماذج النسائية المذكورة، فلا نجاح ولا تميز يتحقق إلا بقيم الجد والحزم والتحدي لإثبات الذات، والاقتناع بخدمة الإنسان والوطن وترك أثر طيب في التاريخ، فكلُّ النساء المتفوقات بذلن الغالي والنفيس، وتسلحن بقيم التضحية والتفاني والإخلاص والصبر والزهد والشجاعة، وهي قيم إيجابية تصنع النموذج النسائي اللائق بالأمة العربية والإسلامية.
وفي حوار مفتوح له مع التلاميذ، ركز المحاضر في توجيهاته على أهمية استثمار الوقت بما فيه الكفاية في طلب العلم والإقبال على المعرفة، وهذا لن يتأتى في زمننا الحالي الذي طغت عليه ثقافة الصورة إلا بتقنين استعمال الهاتف المحمول واصفا إياه بسارق الوقت ومحطم الطموح، وأن الولوج إلى عالم الإنترنيت ينبغي أن يكون بحذر للظفر بإيجابياته فقط، كما أكد على ضرورة التنظيم والتخطيط لبلوغ المعالي، داعيا في هذا المضمار إلى قراءة كتاب " العادات السبع للناس الأكثر فعالية " لستيفن آر. كوفي. وكانت هذه النصيحة مدخلا لفتح النقاش، إذ تفاعلت الأستاذات بحراراة لتأكيد حقيقة تفوق العنصر النسوي ودوره في البناء الحضاري، و الانخراط في التنمية الشاملة، والإبداع في مختلف المجالات، كما وجهن نصائح إلى التلميذات الحاضرات للسير، بكل تحد وصمود، في درب التميز والتفوق وإثبات الذات الفاعلة.
وبعد هذا النقاش الحار، فُتحت نافذة التعبير للتلميذات اللواتي أعددن ورقات متنوعة عن المرأة، شملت المرأة المغربية والمرأة الفلسطينية والمرأة المنسية والمرأة الفارسة، مع الاستعانة بالتقنيات التكنولوجية في عرض الصور والأحداث، رافقتها موسيقى معبرة تشد الانتباه، وما يؤكد تميز هذه العروض هو التصفيق الحار للجمهور الذي أشاد بهذا الإبداع.
وعلى هامش اللقاء، واغتناما للفرصة تم تكريم أستاذة مشهود لها بالتضحية والمثابرة والتفاني والإخلاص والبذل الإنساني فيما يزيد عن ثلاثة عقود استبدت فيها بقلوب المتعلمين ونالت فيها احترام الجميع، يتعلق الأمر بأستاذة علوم الحياة والأرض نزهة الشريف التي تلقت مفاجأة التكريم بدموع انهمرت بعفوية تلخص دهشة الانتشاء، وذلك في جو أخوي تطبعه لغة الامتنان والعرفان من مختلف المتدخلين الذين أثنوا على عطائها المبارك. ولم يقف الاحتفاء هنا بل شمل بقية الأستاذات والإداريات الحاضرات، حيث تم توزيع ورود حمراء عليهن، إشعارا لهن بأن التكريم يشملهن أيضا، وأن سنة النادي هي تكريس ثقافة العرفان والامتنان.
وفي الختام أسدل الستار بعد تسليم شهادة تقديرية للمحاضر الدكتور عبد الحي العيوني الذي أقرَّ له الجميع بثراء المحاضرة وكفاءة تأطير اللقاء. ولتشجيع التلميذات على مزيد من البذل والإبداع منحت لهن أيضا شهادات تقديرية. وقُبيلَ انصراف الجميع طلب منسقا نادي لقراءة والإبداع التقاط صور جماعية لتوثيق اللَّم المبارك المذكر بالحدث الحضاري الذي لا يراد له أن يطوى.
--------------------------------
8/3/2025




