أصدر الباحث يوسف نيت بلعيد، خلال الأيام القليلة الماضية، عن دار النشر آفاق بمراكش كتابا باللغة الفرنسية، تحت عنوان: "المدرسة، الأسرة والقروية، رهانات التمدرس واللا تمدرس". ويقع الكتاب، من القطع المتوسط، في 208 صفحة.
ويروم هذا الكتاب تدارك النقص النظري الحاصل في مجال الفهم العميق لإشكالية التعليم بالوسط القروي المغربي، وكذا التقريب، قدر الإمكان، بين الخطاب المؤسساتي وخطاب البحث، مع التركيز على ضرورة إيجاد تحالفات بين الممارسات المهنية والمعارف الجامعية.
ويتطرق لإحدى أبرز وأكثر الإشكالات تعقيدا في المنظومة التربوية المغربية، ويتعلق الأمر بعلاقة المدرسة القروية بمحيطها السوسيوثقافي، من خلال مجالات التواصل بين الفاعلين التربويين والساكنة القروية. ويعتبر أحد البحوث القليلة والمرجعية، التي اهتمت بتقييم السياسة التربوية الوطنية، خصوصا في مجال تشجيع التمدرس بالمجال القروي.
وجاء في مقدمة هذا البحث أن مشاكل التمدرس والأمية في الوسط القروي تبقى حادة، وتشكل الحلقة الضعيفة لتنفيذ السياسات التربوية. كما أن الأرقام بالمغرب تعد بليغة على أكثر من صعيد. ففي الوقت الذي نجد فيه أن 88،3 % من الفتيات القرويات مسجلات بالابتدائي، لا نجد سوى 26،9 % منهن متمدرسات بالتعليم ما قبل المدرسي، في حين أن 42،7 % من بينهن يستطعن، بالكاد، ولوج الإعدادي.
وبالرغم من الإكراهات التي يعرفها البحث في مجال سوسيولوجيا التربية، خصوصا بالمناطق القروية أو ما يسمى ب"المغرب العميق"، وباعتماد أدوات البحث الميداني، استطاع الباحث سبر أغوار العلاقة المعقدة بين مؤسستين اجتماعيتين، بامتياز، هما الأسرة والمدرسة، من خلال إشكالية تمدرس ولا تمدرس الأطفال القرويين.
ويضم هذا المؤلف خمسة فصول تتمحور حول ما يلي: خصائص خطاب المنظمات الدولية في مجال دعم التمدرس بالمناطق القروية، وعلاقة المدرسة والأسرة بالمجال القروي، من خلال عيون سوسيولوجيا التربية، والسياسة التعليمية المغربية وإشكالية التمدرس بالعالم القروي، وتمثلات وممارسات الفاعلين التربويين والاجتماعيين بالمجال القروي، إضافة إلى المدرسة والأسرة وإشكالات التمدرس واللا تمدرس.
ولهذا المؤلف راهنية كبيرة وأهمية بالغة، نظرا لكونه يأتي في سياق وطني يتسم بظرفية الإصلاح المنتظم والمتواتر لمنظومة التربية والتكوين على صعيد الوطن، ولكونه يحاول مقاربة إشكالية التمدرس بالوسط القروي، التي تعتبر إحدى التحديات الكبرى التي ينبغي رفعها في مغرب القرن الواحد والعشرين، ومن المداخل الأساسية لتحقيق الإقلاع الاقتصادي والتنمية الاجتماعية بالمغرب.
والباحث يوسف نيت بلعيد يشغل، حاليا، مهمة رئيس المركز الجهوي للتوثيق والتنشيط والإنتاج التربوي التابع للأكاديمية الجهوية للتربية والتكوين مراكش تانسيفت الحوز، ويعتبر مكونا في مجال الاتصال البيثقافي. كما أنه حاصل على دكتوراه في علوم التربية وعلى دبلوم في مجال التعاون الدولي من جامعة السربون بفرنسا. وقد سبق له أن أصدر كتابين آخرين باللغة الفرنسية. الأول رفقة حكيم سراخ، تحت عنوان: "العربية الميسرة (العربية دغية). طريقة بسيطة وسهلة لتعلم العربية"، عن منشورات المدينة الحمراء بمراكش سنة 2008، والثاني لوحده موسوم ب"التربية والانفتاح الدولي، كيف يمكن إدماج الانفتاح الدولي في مشاريع التربية والتكوين؟"، عن دار النشر آفاق بذات المدينة سنة 2011.
عبد الرزاق القاروني