بقلم : ذ. عبد العزيز خلوفة
تفاعلا مع الموضوع المثير للنقاش لدى الفاعلين الغيورين على مستقبل المدرسة العمومية في وقتنا الراهن، حيث الارتكاز على بيان دور المحتويات الرقمية في تأهيل شخصية المتعلم، استضاف نادي القراءة والإبداع بثانوية طه حسين التأهيلية بالقنيطرة أستاذ التعليم العالي بالمدرسة الوطنية للعلوم التطبيقية الخبير السوسيولوجي الدكتور كريم بوكرين لاستجلاء حقيقة مدى تأثير مواقع التواصل الاجتماعي في شخصية المتعلم.
افتتح المحاضر كلمته بتحديد مفهوم التواصل الرقمي والوقوف عند وظيفته مادامت الثورة الرقمية قد أفضت إلى خلق جسور التواصل والتلاقح الثقافي بين الأفراد عبر العالم، فالتلميذ ينبغي أن ينفتح على الآخر بما يحقق الفائدة المنعكسة إيجابا على مشروعه الشخصي، وإلا ما قيمة أن ينفق مُعظم وقته في دهاليز مواقع التواصل الاجتماعي (الفايس بوك، الانستغرام، التيك توك، اليوتوب..) بحجة الانفتاح على الآخر دون الاستنفاع بتجارب من فيها.
وهذا التفسيرُ كان مدخلا إلى محور الهوية الرقمية المتأرجحة بين سبل الابتكار وإكراهات الإدمان، فقد بينَ الباحث بوكرين كيف تتيح مواقع التواصل الاجتماعي فرصا للتعبير وترجمة المواهب وابتكار محتويات ذات دلالة وقيمة مضافة، وفي المقابل تغري بمحتويات لا أثر إيجابي لها، إنما تغرقُ الوالج إليها في غواية الإدمان.
لذلكم يؤكد الدكتور كريم بوكرين على ضرورة تقنين التفاعل مع المحتويات الرقمية المبثوثة على منصات التواصل الاجتماعي، فليس كلّ شيء منشور يستحق أن نهبه عقولنا ونضحي بوقتنا لأجله، بل ينبغي انتقاء ما يستحق التفاعل والاهتمام، فالمحتوى التافه ينبغي أن يظل تافها بالتجاهل والتهميش والإقصاء من حياة التلميذ. وقد مثلَ ببعض المحتويات والشخصيات التي تحتل مساحة كبيرة في مواقع التواصل الاجتماعي، بسبب التفاعل معها، فهي مصدر تغرير وهدم والبناء منها بريء.
وعن سؤال كيفية التخلص من الإدمان على مواقع التواصل الاجتماعي يشدد المحاضر بوكرين على تحميل المسؤولية للتلميذ بالدرجة الأساس، فالوعي الفردي سبيل التخلص من الإدمان، إذ لابد أن يشعر بالخطر الذي يتهدده عندما يتراجع مستواه الدراسي ويغيب أثره الحقيقي في الواقع الخارجي. كما حمل المسؤولية لأولياء الأمور الذين ينبغي أن يقوموا بدور المراقب والموجه في كل وقت وحين، فالمصاحبة للأبناء ضرورة لا محيد عنها. ثم الحديث عن المدرسة التي لم تعدْ تلعب دورها التربوي التوجيهي زمن تعرض المتعلم للتيه والغربة والضياع في عالم الرقمنة، إذ أمسى الهاتفُ المحمول جزءا مقيدا لحرية التلميذ، ومكبلا لحواسه وعقله عن طموحاته المستقبلية.
ولتأكيد الاغتراب غير المبرر، قارن السوسيولوجي بوكرين بين التلميذ المغربي والتلميذ في الدول الغربية، فالمغربي ضال بدون أفق، معرض للاحتواء والاستقطاب من مؤثرين فاشلين يبيعون له الوهم، ويسرقون منه وقته، بل عقله وحياته الخاصة. فمواقع التواصل الاجتماعي تتحول إلى مضلل في كثير من الأحيان، فهي وراء فقدان البوصلة المحددة لخط المستقبل الآمن. بينما التلميذ في الدول الغربية، كاليابان مثلا، يخطط لمشروع شخصي عبر التطور التقني الذي تتيحهُ الرقمنة، دون أنْ تعترض التوافه فعلَ البناء لديه. ويتحقق هذا بالحراك النفسي الداخلي الذي يصنع النجاح.
وارتباطا بالواقع الاجتماعي عزا الباحث السوسيولوجي بوكرين إدمان المتعلمين على منصات التواصل الاجتماعي إلى سوء الظروف الاجتماعية، فالهشاشة والفقر والتهميش عواملُ سلبية قد تدفع المتعلم إلى البحث عن متنفس بديل يجعله يتناسى مرارة الواقع. وتلكم الأسباب المجتمعية والأسرية تجعلهم فرائس المحتويات اللاهية عن الوعي بالواجب.
بعد هذا التوجيه المنير الذي استبد بتركيز التلاميذ الحاضرين فُتح بابُ النقاش مع المحاضر ، حيث تقاطرت عيله مجموعة من الأسئلة المترجمة للرغبة في مزيد من التوضيح والتفسير بشأن كيفية جعل مواقع التواصل الاجتماعي ذات أثر إيجابي على شخصيتهم، وكانت الحيرة بادية على البعض ممن تساءلوا عن سبل التخلص من الإدمان أو الاسراف في متابعة الفاشلين ومشاهدة الفيديوهات التافهة، وهو ما أعاد الكلمة إلى الأستاذ بوكرين للرد بأمثلة مقنعة عن نماذج ناجحة من الواقع، تجسد الاستفادة الإيجابية من العالم الرقمي.
وارتباطا بموضوع النشاط الثقافي تم عرض شريط فيديو استجوب فيه رئيس النادي ونائبته بعض أساتذة طه حسين التأهيلية، الذين ائتلفوا على فكرة التفاعل الحذر لما يتم الترويج له في مواقع التواصل الاجتماعي، فالاندماج الكامل معها يذهب بالوقت ويتلف العقل، ومنه تفسر تدني النتائج الدراسية.
ثم فسح المجالُ للتلميذات المبدعات سكينة المصمودي ووصال ند علي ودينة الزعيم لتجسيد مقابلة إذاعية في موضوع " مخاطر الإدمان على منصات التواصل الاجتماعي"، حيث أبدعن في تقمص دور المنشط الإذاعي مع ضيفين، إذ كان تجسيدُهن متميزا نال استحسان جميع الحاضرين الذين صفقوا بحرارة معبرة.
وقبل إسدال الستار تم تتويج التلميذات الفائزات، بجائزة الكتابة القصصية دورة أبريل 2025، التي نظمها نادي القراءة والإبداع، فقد أسفر تقويم الإبداعات المكتوبة باللغة العربية على النتائج الآتية:
× المرتبة الأولى: للتلميذة صفية لمقدم
× المرتبة الثانية: للتلميذة فاطمة الزهراء السين
× المرتبة الثالثة: للتلميذة آية الشرادي
بينما خلص تقويم الإبداع الخاص باللغة الإنجليزية، إلى انتقاء التلميذات الآتية أسماؤهن:
× المرتبة الأولى: للتلميذة مروى عبد الله
× المرتبة الثانية: للتلميذة هاجر هكو
× المرتبة الثالثة: للتلميذة شهد الزيدي
أما التتويج الخاص باللغة الفرنسية فقد انحصر في الفائزة الوحيدة سارة جباد. وقد تم تسليم جوائز قيمة وشواهد تقديرية للتلميذات المتفوقات بحضور أولياء أمورهن، اعترافا بمواهبن الفذة، وتشجيعا لهن على الاستمرار في درب الإبداع والتألق. ولم يقتصر التكريم عليهن بل شمل التلميذات المجسدات للمقابلة الإذاعية.
وتكريسا منه لقيم الاعتراف بالجميل كرّمَ نادي القراءة والإبداع المحاضرَ الدكتور كريم بوكرين بتسليمه شهادة تقديرية وهدية رمزية، تقديرا لمشاركته المتميزة في تأطير النشاط، وما يبذله من جهود مخلصة في توجيه الجيل الصاعد.
وفي كلمة أخيرة، يؤكد نادي القراءة والإبداع على أهمية تظافر الجهود في نجاح هذا النشاط الثقافي، إذ لا يمكن لليد الواحدة أن تصفق، بل لابد من الإشادة والتنويه بدور الإدارة التربوية الممثلة بالدرجة الأساس في شخص السيد المدير الدكتور إدريس المريوي العضد الأول في اللّزبات، والفاعل المخلص الدكتور محمد بوكبال الذي يرفع دوما شعار الحياة المدرسية لاحتضان مواهب المتعلمين وتعزيز إشعاع المؤسسة، والمنسق المعطاء الأستاذ الحصيف علي العبودي، دون أن نغفل دور السيدة المقتصدة وردة التي لا تتوانى في تقديم يد العون والمساعدة.
--------------------------------------------------





