في هذا الحوار العميق، يُبرز الأستاذ الحسن بواتاون، أحد أبرز خبراء التنمية الذاتية، دور الحياة المدرسية وأنشطة التنمية الذاتية في بناء شخصية المتعلم وتقوية مهاراته الأكاديمية والاجتماعية. من خلال الإجابات الواضحة والمعلومات الغنية، يناقش الأستاذ بواتاون واقع الأنشطة المندمجة في المدارس المغربية، موضحًا تأثيرها على تحسين مخرجات التعليم والحد من الفشل الدراسي. كما يشارك رؤيته حول التقنيات المبتكرة مثل الخرائط الذهنية، التي أثبتت فعاليتها في تعزيز القدرات التعليمية وتمكين المتعلمين من تحقيق التفوق الدراسي. هل يمكن لهذه الأفكار أن تشكل خارطة طريق لتعزيز الحياة المدرسية وجعلها بيئة محفزة؟
حوار مع خبير التنمية الذاتية الأستاذ الحسن بواتاون[1]
أجرى الحوار: د. عبد العزيز خلوفــة
-السلام عليكم
نبدأ بسؤال محوري، بصفتكم منشطا خبيرا في التنمية الذاتية، صف لنا واقع الحياة المدرسية في المؤسسات التعليمية عموما.
في البداية نتوجه إليكم بالشكر على هذه الاستضافة الكريمة، والشكر موصول أيضا لموقع تربويات على اهتمامها بالشأن التربوي. في ما يخص سؤالكم، نذكر بمفهوم "الحياة المدرسية" التي يُعنى بها ما يتعلق بحياة المتعلمين التي يعيشونها في الأوقات المدرسية والأماكن المدرسية جميعها: أوقات الدرس، والاستراحة...الفصول والساحة والملاعب الرياضية ومواقع الزيارات والخرجات التربوية ...إلخ". لكن أعتقد بأنكم تقصدون ما يتعلق من هذه الحياة المدرسية بالأنشطة الموازية أو ما أصبح بعد ذلك يسمى بالأنشطة المندمجة. وأقول جوابا عن سؤالكم بأن الأمر يشهد تباينا واضحا من مؤسسة إلى أخرى. حيث نجد، من جهة، مؤسسات تشهد شبه"جفاف" في ما يتعلق بهذا الجانب، نشهد غيابا لهذه الأنشطة، وبالمقابل، نجد مؤسسات نشيطة في هذا المجال، بالنظر لوجود أطر تربوية مبادرة ومقتنعة بأهمية هذه الأنشطة في تمكين المتعلمين من بناء شخصيتهم معرفيا ووجدانيا ومهاريا، وتمكينهم أيضا من إظهار طاقاتهم، و صقل مواهبهم، وإشباع حاجاتهم وميولاتهم، دون أن نغفل الطاقم الإداري الذي شجع على هذه المبادرات ويوفر الشروط الضرورية لنجاحها. لكن عموما يمكن القول، انطلاقا من تجربتي التي امتدت لأزيد من أربعة وعشرين سنة في هذا المجال، أن الحاجة أصبحت ماسة وملحة من أجل توفير مختلف الشروط القمينة والكفيلة بالنهوض بالحياة المدرسية لأهميتها القصوى في تطوير العملية التربوية، والمساهمة في تحسين مخرجات التربية والتكوين، وغرس وتنمية القيم الإيجابية لدى المتعلمين.
- هل تؤكدون أنَّ التنمية الذاتية سبيلٌ لمحاربة الهدر والفشل الدراسيين؟
إن كنتم تقصدون بالهدر المدرسي: "انقطاع المتعلم عن الدراسة كلية قبل إتمام المرحلة الدراسية"، أو "ترك الدراسة قبل إنهاء مرحلة تعليمية"، فإن هذه الظاهرة تعود لعوامل متعددة، منها ما يعود للأسرة أو للظروف الاجتماعية، ومنها ما يعود لطبيعة المناهج، وغيرها من العوامل التي قد لا يتسع المجال ههنا للخوض فيها. لذا فهي ظاهرة معقدة ومتشابكة ... والتركيز على المتعلم ذاته، عبر تطوير مهاراته وتحفيزه ومحاولة تغيير بعض القناعات السلبية لديه، من شأنه الحد من هذه الظاهرة المعقدة، وخاصة مع انخراط الأسرة والطاقمين الإداري والتربوي في هذه العملية. فالأنشطة الموازية أو المندمجة، ليست مجرد وسيلة للترفيه، بل هي جزء أساسي من العملية التعليمية-التعلمية التي تسهم في تكوين شخصية متكاملة ومتوازنة للمتعلم.
-تركزون في أنشطتكم الموازية داخل المؤسسة التعليمية على استراتيجيات التفوق الدراسي، كيف تبررون هذا المرتكز ؟ وهل لمستم نجاعته؟
هناك مفارقة كبيرة نشير لها في البداية، وهي أن التلاميذ يقضون الساعات الطوال في التعلم، لكن لم يقفوا يوما من أجل أن يتعلموا كيف يتعلمون... وهو ما يجعل عملية التعلم عملية شاقة ومتعبة، أو مملة أحيانا بالنسبة لبعض المتعلمين، لذا نحاول من خلال هذه الدورات التدريبية التي نقدمها في مختلف المواضيع، ذات الصلة بالمهارات الدراسية خاصة، أن نمكن المتعلمين من بعض المعارف المتعلقة بالدماغ والذاكرة وآليات اشتغالهما، كما نعمل على تغيير بعض القناعات السلبية حول ذواتهم وحول الدراسة ... ونروم تدريبهم على بعض التقنيات والمهارات، كتقنية الخرائط الذهنية التي تتلاءم مع الدماغ وكيفية اشتغاله وفق قاعدة "بقدر مهاراتك تكون إنجازاتك".
- وهو ما نريد منكم التفصيل فيه، حيث راهنتم كثيرا في مجموعة من الدورات التدريبية على تقنية الخرائط الذهنية، ما النتائج التي حصدتم وراء ذلك؟
دورة "الخريطة الذهنية" من أهم الدورات التي نقدمها على مستوى النادي الذي أشتغل فيه على صعيد مؤسسة طه حسين التأهيلية، لأني أراها وسيلة تعبيرية عن الأفكار والمخططات بدلا من الاقتصار على الكلمات فقط، بل تستخدم الفروع والصور والألوان في التعبير عن الفكرة، تستخدم كطريقة من طرق استخدام الذاكرة، وتعتمد على الذاكرة البصرية في رسم توضيحي سهل المراجعة والتذكر، وهي تقنية تجسد فكرة "التعلم المبني على العقل"، أي التعلم بما يتلاءم وخصوصية الدماغ، فضلا عن كونها تجعل عملية التعلم أسهل وأسرع، مادامت تُسهمُ بشكل كبير في عملية استيعاب وهضم المعلومات والمعارف، ناهيك عن عنصر المتعة الحاضر بقوة في هذه التقنية مما يعطي للمتعلم ثقة أكبر في قدراته الذاتية على التعلم.
-كيف ترون إقبال المتعلمين على الأنشطة التثقيفية خارج الفصل الدراسي ؟ وبم تفسرون تراجع الإقبال مقارنة بأول ما عهدتم؟
أنا في حقيقة الأمر لا أرى هناك تراجعا في الإقبال على الأنشطة المندمجة من لدن المتعلمين، بل إنَّ الاهتمام بها مرتفع، خاصة حينما تكون الأنشطة نوعية وذات جودة عالية من حيث التنظيم والمضامين ومراعية لحاجيات ورغبات المتعلمين... لذا فالقائمون على هذه الأنشطة مطالبون بمواكبة حاجيات المتعلمين، وكذا تطوير وتجويد طرق التنشيط بما يجعل الخدمات المقدمة بهذا الخصوص أكثر جاذبية ...
-لأجل أثر فعال، ما التحديات التي مازالت تواجهككم في تجاربكم التنشيطية؟
أعتقد أن أكبر تحد يقف في وجه السير الأمثل لبرامج الأنشطة المندمجة هو تلكم العقليات التي تنظر بعين الشك والارتياب من جدوى هذه الأنشطة بسبب الجهل في غالب الأحيان، من لدن من يجدر بهم أن يكونوا داعمين أساسيين لها ... والأمر الآخر متعلق بالتجهيز واللوجستيك، إذْ تفتقر العديد من المؤسسات التعليمية للقاعات الملائمة أو لفضاءات مؤهلة لاحتضان الأنشطة ...
-ما رسالتكم الأخيرة لأجل حياة مدرسية تجعل المؤسسة بيئة محفزة لبناء شخصية التلميذ؟
من أجل خلق حياة مدرسية محفزة على تنمية الذات وتحرير الطاقات الكامنة لدى المتعلمين، ينبغي توفير الشروط اللازمة، وذلك عن طريق التكوين المستمر لمنشطي الأندية وخاصة في المجالات ذات الصلة (مهارات التواصل، تقنيات التنشيط ...)، كما يلزم توفير فضاءات مناسبة ومؤهلة لتنفيذ برامج الأندية، ولن يتأتى هذا إلا بتحسيس كل المتدخلين في الشأن التربوي بأهمية الأنشطة المندمجة في تمكين المتعلم وتحرير طاقاته الكامنة وتنمية قيم المواطنة والمبادرة لديه.
[1] باحث في الفلسفة والتنمية الذاتية