رجاء الأزهري، مفتشة تربوية
"كل إناء بما فيه ينضح"، هكذا تقول العرب وهكذا يجد كل منا نفسه وهو لا يتردد في إسقاط مجريات الأحداث الراهنة في حديقته الخاصة، حديقته التي يتأثر بها ويؤثر فيها طيلة تاريخه المهني أو الشخصي، ويظل الحدث الأبرز حاليا هو الزحف الحثيث للمنتخب الوطني المغربي نحو إحراز كأس العالم لكرة القدم، وما رافقه من معنويات مرتفعة لمغاربة الوطن ومغاربة العالم بل ولساكنة المعمور التي تحمل معنا ذلك المشترك في التاريخ أو الجغرافيا أو العرق أو المعتقد... تأتي هذه القراءة في الحدث موشومة بنَفَس بيداغوجي أمْلَته ظروف الانتماء إلى الأسرة التعليمية وهي ترتشف بكل اعتزاز نخب النصر لتُشرعِن لنفسها حق الحلم في استرجاع ناشئة هذا الوطن لبطولات وأمجاد السلف.
أسهب المحللون الفنيون والتقنيون بمختلف المحطات التلفزية، وتفنن المتتبعون بما فيهم الأجانب على كل المنابر الإعلامية وغير الإعلامية في تحليل الروح القتالية غير المسبوقة في الأداء الكروي المغربي وهي تمتزج برسائل إنسانية كونية قدمها المنتخب الوطني في تناغم وانسجام مع ما فرضته الدولة المستضيفة من انضباط للقيم الدينية كجزء راسخ من هويتها، كما لو أن القدر اصطفى هؤلاء الفتية ليقدموا النموذج الأمثل لما تعذر على دروس التربية الوطنية والتربية على المواطنة، والتربية المدنية والإسلامية... ترسيخه في نفوس النشء، اصطفى هذا الفريق ليقول ما لم تقله الرسالة القطرية في افتتاحها للحدث وبناء تعاقداتها مع الزوار، اصطفاه القدر لكي ينبئ العالم أن حب الأوطان والإخلاص لها من الإيمان، حتى وإن لم نترَبَّ في أحضانها، أن رضى الوالدين من رضى الرب وأنه سر الفتح والفلاح، فهذا ديدن المغاربة ودأبهم على مر العصور. اصطفاه القدر ليقول إن يد الله مع روح الجماعة ومع الذكاء الجماعي، فالفردانية المفرطة لا ولن تأتي بخير لأن اليد الواحدة لا تصفق مهما قويت شوكتها. اصطفاه ليخبر العالم أن الوطن العربي والإسلامي لا تنقصه الطاقات والقيادات الحكيمة ولا تُعْوِزه الإرادة والعزيمة، أن على الغير أن يتعلم لغتنا ليفهمنا ويفك شفرة نجاحنا وليس قدرنا دائما أن نهرول إليهم، فالتخلف أو الفشل لن يظل وقفا على أوطاننا، بل قد ينقلب الزمان بأهله لصالحنا إن نحن جددنا الثقة في ذواتنا ومواردنا وأجَدنا توجيه الطاقات، إن نحن أزحنا غبار العولمة الجارفة عن معالم هويتنا المطموسة. اصطفاه القدر ليقول للعالم أن الأيام دول وأن الدرس الكروي إشارة قوية بأن الغد قد يكون لنا.
شِيء لزمن النصر هذا أن يتزامن مع أمطار الخير بعد قحط وعسر شديدين استبدا بالنفوس قبل الجيوب، ليست صدفة أن ينزل غيث السماء هذا ليغسل الأدران والخطايا فيرطب قسوة القلوب ويفتح لها منافذ البداية، بداية عهد جديد بقيم إنسانية قديمة قدم فطرة الله التي فطر الناس عليها.